blog-details

دور الخطوات الصغيرة في تحقيق الأهداف الكبيرة

ينعَم الإنسان بالراحة عندما يركز على التقدُّم التدريجي والمتواصل، بدل أن يضغط على نفسه لتحقيق أهداف صعبة وتغييرات جذرية خلال مدة قصيرة.

يفترض بعض الأفراد أنَّ النجاح الحقيقي يتطلب إجراء عدة تغييرات جذرية دفعة واحدة، أو اتخاذ قرارات جريئة ومفاجئة، ولكن تؤكد التجربة الإنسانية أنَّ التحولات والنقلات النوعية البنَّاءة هي التي تحدث وتتطور تدريجياً مع مرور الوقت على الأمد الطويل.

يجب أن يغير الفرد عقليته وتصوُّره لمفهوم النجاح لكي يضمن ديمومة تقدمه وتطوره في الحياة. لم تحدث الاختراعات البشرية التي غيرت مجرى التاريخ بين ليلة وضحاها، بل إنّها نتجت عن المثابرة، والاجتهاد في العمل، والتجربة والخطأ، وهنا لا بد من ذكر اقتباس مخترع المصباح الكهربائي "توماس إديسون" (Thomas Edison):

"أنا لم أفشل قط، بل إني نجحت في اكتشاف 10,000 طريقة فاشلة".

تمثّل كل واحدة من هذه الطرائق الفاشلة خطوة صغيرة، ومرحلة حتمية وضرورية في مسيرة النجاح، وتؤكد تجربة المخترع "إديسون" أنَّ النجاح ينجم عن المثابرة اليومية، والعمل المستمر، والتقدم التدريجي على الأمد الطويل، ولا يعتمد بالضرورة على الأفكار العظيمة والعبقرية.

تقسيم الأهداف الكبيرة

يسعى بعض الأفراد لتحقيق أهداف صعبة، وتغيير روتين حياتهم جذرياً دفعة واحدة، ولكن سرعان ما تفتر عزيمتهم ويستسلمون؛ لأنّهم يضغطون على أنفسهم ويتحملون ما يفوق قدراتهم.

يؤدي هذا الضغط النفسي إلى إحباط الفرد، وتثبيط همته، وانهياره، ورجوعه إلى عاداته القديمة، لأنه يحمِّل نفسه فوق طاقتها، ويهمل مبدأ التغيير التدريجي. بالتالي، يُنصَح بتجزئة الطموحات الكبيرة والتغييرات الجذرية إلى مراحل وأهداف جزئية قابلة للتحقيق بسهولة.

أي لا يجب أن تغيّر روتينك اليومي دفعةً واحدةً، بل يكفي في البداية أن تستيقظ قبل نصف ساعة من الموعد المعتاد، وتزيد هذه المدة تدريجياً حتى تصل إلى موعد الاستيقاظ المنشود.

يمكنك أن تضيف إلى روتينك اليومي بعد ذلك عادات صحية بسيطة تدريجياً، ولتكن الخروج للمشي في الصباح، أو المطالعة على سبيل المثال، وكما يقول المؤلف "جيمس كلير" (James Clear) في كتابه "العادات الذرية: طريقة سهلة ومضمونة لاكتساب العادات المفيدة والإقلاع عن العادات المؤذية" (Atomic Habits: An Easy & Proven Way to Build Good Habits & Break Bad Ones):

"العادات هي الفائدة المركبة لتطوير الذات. تماماً مثلما تزداد الأموال نتيجة الفائدة المركبة، يتضاعف تأثير عاداتك كلما كررتها".

يوضح هذا التشبيه كيف يتراكم تأثير العادات والأفعال اليومية البسيطة مع مرور الوقت، أي ليس ثمة داعٍ لإجراء عدة تغييرات حياتية جذرية دفعة واحدة على الفور، بل يُنصَح بالالتزام بأفعال يومية بسيطة تحقق تحسُّن تدريجي يتراكم مع مرور الوقت.

أثبتت دراسات علم النفس والأعصاب فعالية منهجية خطوات العمل الصغيرة في تحقيق الأهداف الكبيرة، كما أكدت الأبحاث في موضوع اكتساب العادات أنَّ الانطلاق من المهام السهلة يساعد الدماغ في تشكيل العادات الجديدة.

يساعد تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة في تقليل العبء المعرفي على الدماغ، وتعزيز القدرة على اتخاذ القرارات ومباشرة العمل، وتجنب شعور الإرهاق والتعب.

يؤكد المؤلف "بريان جيفري فوغ" (Brian Jeffrey Fogg) في كتابه الشهير "العادات الصغيرة: تغييرات طفيفة تحول مجرى حياتك" (Tiny Habits: The Small Changes That Change Everything) أنَّ الدافع لوحده لا يكفي لتحقيق التغييرات طويلة الأمد، وينصح بالاعتماد على خطوات العمل الصغيرة.

هذا يعني أنك يجب أن تبدأ بالالتزام بتمرين رياضي واحد كل يوم لكي تحقق أهداف اللياقة البدنية، لأنَّ العادات والأفعال السهلة والبسيطة تحفز الفرد على إنجاز مزيد من العمل.

هذه المنهجية فعّالة في ميادين الحياة الشخصية والمهنية كافةً، وهي تساعد في اكتساب المهارات الجديدة، وتحسين الصحة النفسية والجسدية تدريجياً، وتجنُّب التعرض للإرهاق والضغوطات النفسية.

الاستمرارية أفضل من الدوافع المؤقتة

يُجهد بعض الأفراد أنفسهم بالعمل، ظناً منهم أنَّ تكثيف الجهود يضمن تحقيق النجاح، ولكن تبيّن أنَّ المثابرة أفضل من الدوافع اللحظية لأنَّ الاستمرارية تكوِّن عادات تترسخ في روتين الفرد مع مرور الوقت، وأن النجاحات الصغيرة دافع مهم لتحقيق الأهداف الكبيرة.

كما قال المتحدث التحفيزي الراحل "جيم رون" (Jim Rohn) ذات مرة:

"لا يتطلب تحقيق النجاح سوى الانضباط والالتزام بالممارسة اليومية". يؤكد هذا الاقتباس على أهمية الانضباط والمثابرة، دون أن يذكر عنصر الموهبة أو الأفكار العبقرية.

لا يلاحظ الفرد أي تحسُّن عندما يجهد نفسه في ممارسة التمارين الرياضية على فترات متقطعة، لكنّه يحقق تقدّماً بارزاً عندما يلتزم بممارستها بانتظام واعتدال على الأمد الطويل.

ينطبق نفس المبدأ على كافة ميادين الحياة، ما يعني أنَّ الالتزام بالعادات والأفعال البسيطة مع مرور الوقت يساعد في تعلم اللغات الجديدة، وإطلاق المشاريع التجارية، وتحسين العلاقات الشخصية وغيرها من الأهداف الحياتية.

النجاحات الصغيرتقود للهدف الكبير

التطبيق العملي لمنهجية الخطوات الصغيرة

يُنصَح بتقسيم الأهداف الضخمة إلى خطوات بسيطة وسهلة، فإذا أردت تأليف كتاب على سبيل المثال، عندئذٍ ابدأ بكتابة 100 كلمة في اليوم الواحد. لا تركز هذه المنهجية على كمية العمل المُنجَز في البداية، بل على بناء عادة الاستمرار في القيام به.

1. الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة

يجب أن تحتفي بالإنجازات الصغيرة وتكافئ نفسك عليها، سواء كانت قراءة صفحة واحدة من كتاب، أو الاستيقاظ قبل 10 دقائق من الموعد المعتاد. لقد أحرزت تقدم وينبغي أن تكافئ نفسك عليه لكي تتحمس على إتمام مزيد من العمل.

2. رصد التقدم المُحرَز

رصد الخطوات الصغيرة المُنجَزة من خلال تدوين اليوميات أو استخدام تطبيقات تتبُّع الإنجازات. يعزز توثيق الإنجازات الدافع للاستمرار والسعي لتحقيق الطموحات.

3. الرفق بالذات

يتطلب تحقيق الإنجازات العظيمة التحلي بالصبر والالتزام، ومن الطبيعي أن تخطئ، أو تتراجع، ولكن إيّاك أن تقسو على نفسك في مثل هذه الظروف، بل عليك أن تتجاوز الأخطاء، وتستأنف عملك، وتتقدم من جديد لتحقيق النجاح.

في الختام

يقول الفيلسوف الصيني "لاوتزه" (Lao Tzu): "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة". ابدأ بهذه الخطوة اليوم، وتحلَّ بالمثابرة والصبر، وتذكر أنَّ هذه الخطوات الصغيرة هي سبيلك لتحقيق طموحاتك في الحياة.

Stay Informed with the Latest Developments

Subscribe and gain access to the latest articles, research, and products that make you stronger than ever before.
to-top
footer1

is

illaf-train

Business.©2025