يقول الرسام الأمريكي "هانز هوفمان" (Hans Hofmann): "تعني القدرة على العيش ببساطة التخلص من الأشياء غير الضرورية وإفساح المجال لما هو ضروري".

يصعب الحفاظ على التركيز وصفاء الذهن في عالمنا الذي يعجّ بالمشتّتات؛ لكن ينبغي على المبدعين الشباب معرفة كيفية تنظيم حياتهم للعمل بذهن صاف أثناء سعيهم نحو تحقيق أهدافهم. يبحث المقال في فعالية مبدأ البساطة (minimalism)، ويقدم أفكاراً وأمثلة عملية للتخلص من التعقيدات غير الضرورية في الحياة.

مفهوم البساطة

لا تقتصر فلسفة البساطة على تقليل الفوضى في البيئة المحيطة؛ بل هي أسلوب تفكير يشمل جميع جوانب الحياة، كالمُمتلكات المادية، والفوضى الرقمية، والتشتت الذهني. يؤدي اعتماد مبدأ البساطة بفعالية إلى زيادة التركيز، وتعزيز الصفاء الذهني، وتوجيه الطاقة نحو الأمور الهامة.

التخلي عن الأمور غير الهامة

أول خطوة أساسية لتنظيم الحياة هي التخلص من الأشياء التي لم يعد لها أهمية وهي تتضمن الممتلكات المادية، والعادات القديمة، والعلاقات السامة، وحتى الأهداف التي لم تعد تخدمنا. لا يعني التخلي عن هذه الأمور الفشل؛ بل يدل على النمو والوعي الذاتي. تقول الكاتبة اليابانية "ماري كوندو" (Marie Kondo): إن لم يُثِر الشيء الفرحة في قلبك، فقد حان الوقت للتخلص منه".

على سبيل المثال: تقرر فنانة شابة ترتيب الاستوديو الذي تعمل فيه؛ حيث أدركت أنَّ الاحتفاظ بالمشاريع غير المكتملة يثقل كاهلها، ويقوض إبداعها. لكنَّ التخلُّص من هذه المشاريع والتركيز على الأهداف التي تلهمها، دفعها إلى ابتكار أعمال فنية هادفة ومؤثرة.

تنظيم المساحة الرقمية

في العصر الرقمي الذي نشهده، أصبح الإنترنت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، وأضحت بيئتنا الرقمية مليئةً بالبيانات والمعلومات غير المنظمة؛ إذ تستنزف وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني والإشعارات وقتنا وطاقتنا. لذا، يجب السعي لتنظيم المساحة الرقمية عن طريق إلغاء متابعة الحسابات التي لا تتوافق مع الأهداف الشخصية، وترتيب صندوق البريد الإلكتروني، وتخصيص أوقات محددة لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال: أدرك أحد رواد الأعمال الطموحين أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تقلل إنتاجيته، فقرر تخصيص فترة محددة يومياً للتواصل مع متابعيه على الإنترنت، مما أتاح له التركيز على أعماله وتجنب الانقطاعات المتكررة.

الاهتمام بالعلاقات

لا يدعو مبدأ البساطة إلى مقاطعة معارفك؛ بل إلى تقوية علاقاتك المفيدة، وإحاطة نفسك بالأشخاص الذين يدعمون تطلعاتك، ويطورون طريقة تفكيرك، ويرفعون معنوياتك، إضافةً إلى الابتعاد عن العلاقات التي تستنزف طاقتك أو تعيق تطورك.

قد تجد أنَّ قضاء الوقت مع الأصدقاء السلبيين يؤثر في نظرتك نحو الحياة، فتقرر بناء العلاقات انطلاقاً من الاهتمامات المشتركة، والتشجيع على التطور الشخصي والمهني.

تقليل الأهداف

تؤدي كثرة الأهداف إلى الإرهاق والفشل في تحقيقها؛ لذا يُفضَّل الاكتفاء بالأهداف التي تتوافق مع القيم والرؤى طويلة الأمد؛ إذ يؤدي التركيز على الأهداف الأساسية إلى توجيه الطاقة نحو تحقيق نتائج أفضل.

لنفترض أنَّك كاتب تطمح لتأليف رواية، وإطلاق مدوَّنة نصية وأخرى صوتية، ثم أدركت أنَّ محاولة العمل عليها جميعاً في نفس الوقت يعيق تقدمك فيها، فتقرر التركيز على إنهاء الرواية أولاً، وتخصيص الوقت والاهتمام اللازم لتأليف عمل مميز.

ممارسة اليقظة الذهنية

تسبب الفوضى الذهنية تشتّت التركيز والانتباه، وهنا تبرز أهمية ممارسة اليقظة الذهنية، مثل التأمل وتدوين اليوميات، في تنظيم الأفكار، وتخفيف القلق، وتحسين التركيز؛ حيث يساعد التأمل في المشاعر والأفكار في ترتيب الأولويات.

لنفترض أنَّ لديك عدة مسؤوليات تجعلك تعاني من صعوبة التركيز، فتقرر تخصيص بعض الوقت لممارسة التأمل صباح كل يوم، مما يساعدك في بدء النهار بذهن صاف لتتمكن من إنجاز مهامك بكفاءة أكبر.

أهمية التعامل مع الفوضى

تُعد الفوضى، بأشكالها المختلفة، جزءاً لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، وتتجلى مادياً وذهنياً وحتى عاطفياً، مما يعزز أهمية التنظيم لاستعادة السيطرة على حياتنا.

دعنا نشبِّه العقل بغرفة مليئة بالأغراض، وكلّما زادت الفوضى، أصبح من الصعب العثور على ما تبحث عنه. بالمثل، يؤدي العقل المشوش إلى صعوبة التركيز على تحقيق الأهداف؛ لذا من الهام تنظيم حياتك لتنعم بصفاء الذهن، وتزداد إنتاجيتك وإبداعك.

في الختام

يُعد التنظيم أمراً بالغ الأهمية في التعامل مع المشتتات، وقد لا ينجح اعتماد مبدأ البساطة مع الجميع، ولكنَّه طريقة تفكير تتيح تقييم الأمور الهامة في الحياة. يساعد التخلص من الأشياء غير الضرورية، وتقليل الأهداف، وتنظيم المساحة الرقمية، وبناء العلاقات الهادفة، وممارسة اليقظة الذهنية في تعزيز التركيز والصفاء الذهني.

يقول الكاتب "جوشوا بيكر" (Joshua Becker)، "يقوم مبدأ البساطة على التركيز على الأشياء التي نقدِّرها، والتخلص من أي شيء يصرف انتباهنا عنها". تذكر أنَّ التنظيم والتخلص من الفوضى ليس هدفاً بعينه؛ بل عملية مستمرة، وله فوائد عديدة تتجلى في زيادة التركيز، ووضوح الهدف، والقدرة على التعامل مع التعقيدات اليومية بكفاءة لتنعم بحياة ملؤها الرضا.