blog-details

كسر حلقة التسويف: بدء العمل لتوليد الدافع

عندما نُحدِث تغييراً ما في حياتنا، فإنَّنا غالباً ما ننتظر أن ينزل إلينا الدافع والإلهام من السماء ليشعل فتيل الحماس بداخلنا، فنبدأ بالتغيير الذي كنَّا ننشده، وهذا نمط متكرر، فننتظر فيديو ما أو اقتباس من كتاب ما ليكون الحافز لطموحاتنا العظيمة، وليس ثمة أسهل من اختلاق المبررات والأعذار للتأجيل والمماطلة، مثل أن تقول لنفسك: "أود حقاً أن أحسِّن لياقتي لكنَّ اليوم غير مناسب للبدء"، أو "لديَّ فكرة عمل، لكنَّ اليوم غير مناسب"، أو "أود أن أرسم مرة أخرى، لكنَّ الإلهام غير موجود".

ينطبق هذا الكلام على الأغلبية، فكل شخص تقريباً لديه مهمة أو حلم يؤجِّله باستمرار؛ لأنَّ ذلك يتطلب خروجنا من منطقة راحتنا.

يعد هذا التردد والرغبة في تجنُّب المصاعب أمراً طبيعياً تفرضه علينا أجسادنا، وليس كسلاً أو نقصاً في الانضباط، فالدماغ البشري مصمَّم بإبهار لحمايتنا، وهو يفرض صراعاً بين الجهاز النطاقي العاطفي وغير الواعي من جهة، والنظام الجبهي العقلاني والواعي من جهة أخرى. يتدخل الجهاز النطاقي عندما تبدو المهمة المقبلة شاقة، ليقودنا بعيداً عن الانزعاج المحتمل، ويعيدنا إلى ما نألفه، وهذا يفسر حالة التسويف علمياً.

يتعطَّل نشاط الفرد عندما ينتظر الظروف المناسبة أو شعور الدافع والحماس للعمل، مما يقلل فرص نجاحه في تحقيق أهدافه؛ لذلك يناقش هذا المقال الحقيقة المثيرة للاهتمام "الدافع لا يسبق العمل؛ بل بخلاف هذا".

يولِّد العمل الدافع

تتلخص الفكرة في التالي: "لا تنتظر أن تشعر بالدافع؛ بل  باشِرْ العمل، حتى لو لم تكن ترغب بذلك"؛ لأنَّ العمل ينتج الدافع الذي يفتقر إليه كثير من الأفراد؛ إذ يتولد الدافع من العمل وليس بخلاف هذا، فالدرَّاجة الثابتة مثال جيد على ذلك، ومن الصعب جعلها تتحرك في البداية ولكن بمجرد أن تدوِّر الدوَّاسة، حتى ببطء، تجد أنَّه من الأسهل الاستمرار وحتى التسارع، وهذه هي قوة الزخم، وهي متجذرة في اتخاذ الخطوة الأولى، مهما كانت صغيرة.

للاستفادة العظمى من هذه الفكرة يجب تبنِّي نهجاً قائماً على إدارة أثمن الموارد، وهو الوقت، ومن خلال تطبيق نهج صحيح نصل إلى حالة الدافع المستدام.

تتساءل لماذا لا نحقق الإنجازات الكبيرة، ونحصل على كل الحماس من تلك اللحظات. تخيّل أنَّك تقف على منصة التكريم وتستمتع بالتصفيق وشعور تحقيق الإنجازات، ولكن هنا يكمن الفخ، تلك اللحظات عابرة، فكِّرْ في اللحظات التي تلي التصفيق، وإن لم تتمكن من تكرار إنجازك، فإنَّ هذا الهدوء التالي للتصفيق سيستمر دائماً، وما هي خطتك في حال لم تنجز شيئاً جديداً؟

لنأخذ مثالاً معاكساً:

تخيَّلْ كرة ثلجية صغيرة في قمة تل، تنحدر للأسفل، ومع كل دورة تلتقط مزيداً من الثلج، فيزداد حجمها وتتسارع كلما تقدَّمَت، وهذا هو جوهر الدافع.

يصبح كل إنجاز صغير، حتى لو بدا غير هام بمفرده، جزءاً أساسياً من رحلة النجاح، ويشكل مساراً يستقطب الداعمين، ويعزز مرونتك الداخلية، فتواجه المصاعب بسهولة، وتصبح تلك الإنجازات الصغيرة المتكررة (والمتراكمة مع مرور الوقت) درعك الواقي ضد الانتكاسات والمشتتات.

يكمن  سر النجاح في استمرارية العمل والدافع المستدام، ولا تعتمد فقط على الدوافع اللحظية العابرة؛ بل تذكَّرْ كرة الثلج وحافِظْ على دافعك من خلال المتابعة والاستمرارية، فكل خطوة صغيرة تقرِّبك من النجاح.

الدافع المستدام

لا تعتمد صفوة الفنانين والمفكرين حول العالم على العبقرية والدوافع اللحظية العشوائية في إنتاج أعمالهم الإبداعية، بل إنَّهم يلتزمون بنمط حياة ثابت يعزز قدراتهم الإبداعية وإنتاجيتهم.

يقول الكاتب "ماسون كوري" (Mason Currey)، في كتابه "العادات اليومية: كيف يعمل الفنانون" Daily Rituals: How Artists Work: "يشكِّل الروتين الثابت مساراً مألوفاً للطاقة العقلية ويساعد على التغلب على التقلبات المزاجية."

يُحصِّنك نمط الحياة الثابت ضد المشاعر غير المتوقعة، والتي قد تشتت انتباهك عن أهدافك.

لم تنتظر الكاتبة "مايا أنجلو" (Maya Angelou) شرارة الإلهام لتشعل إبداعها وهي مرتاحة في منزلها؛ بل استأجرت غرفة فندق لتكتب بجدية من الصباح الباكر في الساعة 6:30 حتى الساعة 2:00 ظهراً؛ إذ كانت مساحتها المختارة بعيداً عن المشتتات اليومية، مكاناً مناسباً لمزاولة مهنتها الإبداعية.

اشتُهِرَ الروائي الإنجليزي "أنتوني ترولوبي" (Anthony Trollope) بالتزامه بكتابة 3000 كلمة يومياً في الصباح الباكر، وكان ينجز هذه المهمة قبل أن يتوجه إلى وظيفته اليومية في خدمة البريد، ولو أنَّه انتظر "وقت الفراغ"، لما كتب كلمة واحدة على الأرجح.

لا بدَّ لنا عندما نذكر الالتزام من الحديث عن الأديب العبقري "هاروكي موراكامي" (Haruki Murakami)، الذي لم يعتمد على الإلهام العشوائي؛ بل كان يستيقظ في الساعة 4 صباحاً كل يوم للكتابة مهما كانت الظروف.

الدافع

محرِّك الدافع المستدام

يقتضي الدافع المستدام الالتزام بنمط حياة ثابت، وهو ما يساعدك على الحفاظ على نشاطك وتوفير الظروف الملائمة للإنتاج الإبداعي والعبقري، وإنَّ إنشاء روتين حياة يحفز الإبداع والإنتاجية أمر بسيط للغاية، ولكنَّه عميق؛ لذا اعتمِدْ المبدأ التالي: خطِّطْ أسبوعياً واعمل يومياً، وفيما يأتي تفصيل هذا المبدأ:

1. خطط أسبوعياً

تحمل الحياة في طيَّاتها أحداثاً غير متوقعة، وربما لا تستطيع تنفيذ ما خططت له في يوم ما بسبب حدث مفاجئ؛ إذ تبرز هنا أهمية النظرة العامة الأسبوعية، فليكن مخططك الأسبوعي مرناً إلى حدٍ ما، يعني ذلك:

1.1. أوقات التركيز

خصِّصْ أوقات محددة تركز فيها على مهمة معيَّنة، بعيداً عن المشتتات، وتضمن هذه الأوقات تعزيز الإنتاجية والقدرة على التركيز.

2.1. المرونة بدلاً من الصرامة

يسمح لك التخطيط الأسبوعي بترتيب الساعات بمرونة أكبر، فأنت غير ملتزم بيوم واحد ويمكنك نقل أوقات التركيز إلى أي يوم يناسبك، بالتالي يوفر المخطط الأسبوعي سلاسةً تفتقر إليها الجداول اليومية المزدحمة.

3.1. رؤية أوضح

يوفر التخطيط الأسبوعي رؤية شاملة لأهدافك، وهناك فرق كبير بين أن تكون مشغولاً أو منتجاً، فما الفائدة من انشغالك الدائم وإنجاز عشرات المهام إن لم تكن تخدم أهدافك؟ هذا النوع من التخطيط أكثر واقعية، ويضمن أيضاً أنَّك دائماً تسير في الاتجاه الذي ترغب فيه.

2. اعمل يومياً

قال الكاتب الأمريكي "دارين هاردي" (Darren Hardy): "روتين العمل اليومي الذي يخدم أهدافك ينتج الدافع الذي يميِّز الحالمين عن المنجزين العظماء."

هذه هي الفكرة البسيطة خلف شعار "اعمل يومياً".

2.1. الاستمرارية هي المفتاح

يقتضي التقدم الحقيقي الاستمرار في العمل المدروس، بدل انتظار أوقات الفراغ الطويلة (وهو أمر نادر الحدوث)، مما يساعد على إحراز تقدم فعلي يوماً تلو آخر.

2.2. تقسيم المهام الكبيرة

من المرهق تناول قالب حلوى بأكمله في جلسة واحدة، ولكن يصبح الأمر أسهل عند تقسيمه إلى أجزاء أصغر، فتتناول كل يوم قطعة واحدة، وهذه هي الفكرة هنا؛ أي يجب تقسيم المهام الضخمة إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للتنفيذ، وستكون أكثر إنتاجية حتماً.

2.3. قوة البساطة

ابدأ بمهمات قابلة للتنفيذ يمكن القيام بها باستمرار كل يوم، فالفكرة ليست في تحقيق تقدُّم فوري كبير؛ بل باستمرارية العمل، مع التأكد من أنَّ كل خطوة، مهما كانت صغيرة، تدفعك للأمام.

2.4. الاستمرارية المرنة

يبدو هذا مصطلحاً متناقضاً، لكنَّه أساس التوازن؛ إذ تحتاج الدوافع المستدامة إلى التوفيق بين التكيف والمهام القابلة للتنفيذ يومياً، وتذكَّر أنَّ القيمة تأتي من كونك منتجاً، وليس مشغولاً.

في الختام

قد يكون مغرياً السعي وراء تلك الشرارة العابرة من الدافع أو الانتظار للمزاج المثالي للقيام بالعمل، ولكنَّ المنجزين والفنانين العظماء خلال التاريخ لم ينتظروا اللحظة المناسبة؛ بل اعتمدوا روتينات، وحضَّروا بانتظام، وسمحوا للدافع بالنمو طبيعياً.

تذكَّرْ في المرة القادمة التي تجد نفسك عالقاً فيها ضمن حلقة التسويف المفرغة أنَّ الدافع غالباً ما يكون نتيجةً للعمل وليس شرطاً مسبقاً له، بالتالي ستصل إلى أهدافك وأحلامك من خلال اعتماد روتينات ثابتة في حياتك واتخاذ إجراءات يومية.

لا تنتظر اللحظة الملائمة، ابدأ الآن، وسيتبعك الدافع.

کن على إطلاع بأحدث المتسجدات

اشترك واحصل على أخر المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى.
to-top
footer1

is

illaf-train

Business.©2025