العمل من المنزل: فوائده وصعوباته
سمحت المنظمة التي يعمل فيها مارك له بالعمل من المنزل ثلاثة أيام في الأسبوع، وهو أول يوم كامل له في العمل عن بعد.
وضعَ مارك الحاسب المحمول على الطاولة واستعدَّ لبدء العمل، لكن بعد ثلاث ساعات شعر بالصدمة، فقد أدرك أنَّه لم ينجز إلَّا القليل جداً، فماذا كان يفعل؟ لقد أعدَّ القهوة ثم غسل الملابس وأجرى مكالمة هاتفية، وحفظ بعض الملفات عبر البريد الإلكتروني، والآن هو متأخر في عمله.
يمكن أن يكون العمل من المنزل مُثمراً للغاية، ولكنَّه بالطبع لا يخلو من العديد من الصعوبات، فدون وجود مساحة مكتبية وإشراف مناسبين قد يكون من السهل الانشغال، تماماً مثل حالة مارك؛ وهذا يعني أنَّ العبء يقع على عاتقك وحدك لتحقيق عمل مثمر خلال يوم كامل.
في هذا المقال سوف نناقش العمل من المنزل، ونقدِّم لك بعض النصائح لمساعدتك على تحقيق الإنتاجية من خلال العمل من المنزل.
الفوائد والتحديات للعمل من المنزل:
توجد العديد من الفوائد الناتجة عن العمل في المنزل، وتشمل:
- تجنُّب الإلهاءات الناتجة عن المكالمات الهاتفية المعتادة، والاجتماعات غير المتوقعة، والمُقاطعات الناتجة عن زملاء العمل.
- العمل على جدول زمني أكثر مرونة وضبط مكان عملك لتلبية احتياجاتك المحددة؛ الأمر الذي يجعلك أكثر استرخاءً ويرفع معنوياتك ويقلل التوتر.
- الحد من المصاريف التي تنفقها على المواصلات والغداء وملابس العمل.
- استثمار الوقت الذي تقضيه في التنقل بين المنزل ومكان العمل في جوانب أخرى من حياتك؛ مثل الاهتمام بالعائلة أو ممارسة هواية ما.
مع ذلك ما تزال توجد العديد من التحديات التي يجب أخذها في الحسبان مثل:
- يترافق العمل من المنزل مع إلهاءاته الخاصة المتمثلة بوجود أشخاص آخرين في المنزل مثل أفراد الأسرة.
- يمكن أن تتضرر حياتك الخاصة إن كنتَ تعمل من المنزل كثيراً وكذلك صحتك؛ إذ إنَّ عقلية "العمل دوماً" والتواصل المستمر والشعور بأنَّه عليك التعويض بسبب عملك من المنزل تدفعك إلى العمل بجدية أكثر من اللازم ولفترة أطول مما تفعل في المكتب.
- قد يفوتك التفاعل مع زملائك؛ مما يجعلك تشعر بالعزلة.
- قد تجد صعوبة في تحقيق الإنتاجية عندما لا يشرف عليك أحد، وفي نفس الوقت إن كنت مديراً، فقد يتقاعس أعضاء فريقك عن العمل في أثناء غيابك.
- ربما ينساك زملاء العمل الذين يعملون في مقر الشركة، فتضيع عليك فرصة العمل على مشاريع هامة.
لذا على الرغم من جاذبية الأمر في البداية، إلَّا أنَّ العمل من المنزل ليس مناسباً للجميع.
ففي حين أنَّ بعض الموظفين يفضلون الحرية ولديهم الانضباط الذاتي ليستمروا في العمل من المنزل بفاعلية، إلَّا أنَّ بعضهم الآخر قد يحتاج إلى إشراف دقيق من أجل العمل من المنزل بكفاءة، أو قد يتوق إلى الحصول على الطاقة والصداقة في البيئة المكتبية المليئة بالحيوية.
إذا قررت أنَّ هذا الأمر يناسبك، فإنَّ بقية المقال يحمل بعض النصائح والإرشادات الهامة حول كيفية تهيئة الظروف المثالية لتحقيق الإنتاجية من العمل من المنزل.
نصيحة: من طرائق معرفة إن كان العمل من المنزل مناسباً لك هي إجراء اختبار نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى، والذي يمكن أن يساعدك على التفكير في إمكانية العمل من المنزل بفاعلية من خلال تقييم مستوى عملك ودرجة انطوائيتك أو استقلاليتك.
مساحة العمل:
إنَّ مساحة العمل الباعثة على الإنتاجية والمريحة ضرورية إن كنتَ ترغب في إنجاز المهام المُوكلة إليك؛ لذا عليك تجربة الخطوات الثلاث التالية عند إعداد نفسك للعمل من المنزل:
- تخصيص مكان عمل ممتع: إذ يساعدك إنشاء مساحة عمل تشبه "المكتب" على الشعور بجو العمل ويشجعك على المزيد من الإنتاجية؛ لذا اجعل هذه المساحة مكاناً رائعاً من خلال وضع بعض الصور العائلية أو الملصقات الممتعة.
- استعمال كرسي مريح: إن كان مقعدك غير مريح، فستجد الكثير من الأعذار للنهوض عنه والذهاب إلى مكان آخر؛ إذ يمكن أن تعدَّ كرسي المكتب عالي الجودة أحد أهم الاستثمارات التي يجب بذلها، قد تتمكن منظمتك من مساعدتك على دفع بعض التكلفة للحصول على كرسي مريح.
- تأمين بعض الخصوصية: يكاد يكون من المستحيل العمل بفعالية ضمن المنزل بوجود الأطفال أو أشخاص آخرين حولك؛ لذا تأكَّد من وجود مكان يمكنك الذهاب إليه؛ إذ لا تشعر بإزعاج أحد وتتمكن من إغلاق الباب عند حدوث بعض الإلهاءات المحتملة.
التنظيم:
إنَّ العنصر الرئيس الآخر للعمل المُنتج من المنزل هو التنظيم، إليك أربع نصائح للحفاظ على تنظيم مكتبك في المنزل:
- تأكَّد من أنَّ مكتبك كبير بما يكفي: يعتمد الحجم المطلوب للمكتب على نوعية العمل الذي تقوم به؛ على سبيل المثال إن كنت مهندساً معمارياً، فسوف تحتاج إلى مكتب كبير بما يكفي ليتَّسع لمخططاتك الكبيرة وجميع الأدوات التي تحتاج إليها، لكن إن كنت تعمل فقط في إدخال البيانات، فعلى الأرجح أنَّك ستحتاج إلى مكتب صغير.
- تأكَّد من وجود كل ما تحتاج إليه في المكان: حافِظ على الأدوات الأساسية التي ستحتاج إليها في متناول اليد؛ إذ سوف يساعدك ذلك على تقليل الإحباط وتجنُّب الحاجة إلى النهوض عن مكتبك بشكل متكرر.
- حافظ على مكتبك مرتباً: اقضِ بعض الوقت في نهاية كل يوم لترتيب مكتبك؛ إذ يُعَدُّ هذا الأمر هاماً ولا سيما إن كنتَ لا تملك مساحة عمل مخصصة.
- نظِّم مهامك: من السهل أن تصيبك الفوضى إن كنتَ تعمل على عدة مشاريع مختلفة في نفس الوقت، ولا سيما إن كنتَ لا تملك مكتباً مُعداً بشكلٍ مناسب في المنزل؛ لذا عليك وضع خطة عمل ومواعيد نهائية محددة للتأكد من بقائك على المسار الصحيح.
إدارة الوقت:
لإدارة وقتك أهمية بالغة إن كنتَ ترغب في الاستمرار بالتزامك بالمواعيد النهائية في أثناء العمل من المنزل، وسوف تساعدك النصائح التالية على القيام بذلك:
- اتبع روتيناً معيَّناً: يميل البشر عادةً إلى اتِّباع روتين معيَّن؛ لذا فإنَّ وجود روتين محدد أمر في غاية الأهمية عند عملك من المنزل؛ لذا تذكَّر أخذ قسطٍ من الراحة في أوقات منتظمة، كما يجب أن تتوقف عن العمل في نفس الوقت الذي كنتَ تغادر فيه مكتبك؛ فهذا سيعطي يومك "إيقاعاً" محدداً ويمنحك شعوراً بالحياة الطبيعية.
- أَنشِئ قائمة للمهام ذات الأولوية العالية: نظِّم المهام التي يجب إنجازها بحلول نهاية اليوم في "قائمة مهام" ورتبها حسب الأولوية، وسوف يساعدك ذلك على تجنُّب المماطلة ويوفر نظاماً محدداً ليومك.
- أنشِئ قائمة مهام "بين" مهامك: يجب أن يشمل ذلك مهاماً بسيطة تستغرق نسبياً عشر دقائق أو أقل لإنجازها، والتي يمكنك وضعها ضمن جدول عملك اليومي عند وجود الوقت المتاح لذلك؛ فمثلاً إن كانت لديك مكالمة جماعية بعد خمس عشرة دقيقة، فيمكنك استخدام الوقت المتاح لإكمال إحدى هذه المهام.
- احتفظ بجدول زمني: عليك مراقبة مقدار الوقت الذي تقضيه في إنجاز كل مهمة من خلال إعداد جدول زمني لذلك؛ إذ إنَّ هذا الجدول الزمني يتيح لمديرك معرفة كيفية قضاء وقتك، كما يمكن أن يساعدك أيضاً على تحديد الوقت الذي تكون فيه أكثر إنتاجية، ومن ثم تخصص هذا الوقت لإنجاز المهام المعقدة.
التواصل:
قد يكون من السهل عزل نفسك عن زملائك عندما تعمل في المنزل، ولكنَّ التواصل أمر جيد وضروري بالنسبة إليك ولفريقك أيضاً، وفيما يلي ثلاث نصائح لمساعدتك على تحقيق ذلك التواصل:
- تواصل مع مديرك وزملائك في العمل بانتظام: يجب أن يعلموا أنَّك تعمل بشكلٍ منتجٍ وأنَّك متاح، وإن أمكن أَعِد توجيه المكالمات الواردة إلى هاتف مكتبك إلى هاتفك الذكي، أو أَخبِر الزملاء والعملاء والموردين عن أفضل طريقة للتواصل معك عندما تكون في المنزل.
- استخدِم خدمات المراسلة الفورية: إذ توفر أدوات مثل سلاك (Slack) وسيلة أكثر مباشرة للتواصل مع زملاء العمل، كما يمكن أن تكون هذه التطبيقات مفيدة بشكل خاص في حال وجود طلبات عاجلة من بعض الأشخاص، أو في حال كنت بحاجة إلى الحصول على آخر مستجدات العمل. وفي حال كنت بحاجة إلى تجنب المقاطعات، فيمكنك تعيين حالة "مشغول" على هذه التطبيقات.
- اذهب إلى المكتب بانتظام: عليك بذل بعض الجهد لقضاء يوم واحد على الأقل في المكتب كل أسبوع، واختر الأيام التي تحوي أحداثاً بعد العمل؛ إذ تتمكن من قضاء بعض الوقت في تعزيز التواصل مع زملائك، ويساعدهم ذلك على تذكُّر أنَّك جزء لا يتجزأ من الشركة، ويساعدك على تجنُّب الشعور بالعزلة.
التركيز:
إنَّ التشتيت في المنزل بالإضافة إلى العزلة التي يحتاج إليها العمل عن بُعد في كثيرٍ من الأحيان قد يسبب فقداناً في التركيز ونقصاً في الإنتاجية، لكن توجد عدة طرائق يمكنك من خلالها التغلب على ذلك ومنها:
- اكتشاف ما الذي يحفزك حقاً: هل تحب العمل من المنزل؟ إن كان الأمر كذلك، فذكِّر نفسك بأنَّ شركتك قد تسلب هذا الامتياز منك إن لم تعمل بشكلٍ جيدٍ.
- يُعَدُّ الحافز السابق كافياً للحفاظ على تركيزك، لكن قد يحتاج بعض الأشخاص الآخرين إلى استخدام أساليب مختلفة؛ على سبيل المثال يمكنك منح نفسك مكافأةً مثل احتساء كوب من القهوة، أو تناول وجبة خفيفة بعد الانتهاء من مهمة ما أو العمل لوقت طويل.
- معرفة أهدافك: تأكَّد من أنَّك واضح بالنسبة إلى أهداف العمل والوظيفة التي تسعى جاهداً إلى تحقيقها، ويساعدك ذلك على الاستمرار في التركيز في الأشياء الهامة لك ولمنظمتك.
- تحديد الإلهاءات: هل تصرف الأعمال المنزلية انتباهك عند عملك من المنزل؟ مثل التلفاز؟ هل يقاطعك الأصدقاء أو العائلة؟
عليك تحديد الأشياء التي تسبب لك فقداناً في التركيز ووضع الاستراتيجيات المناسبة لتجنُّبها، وغالباً ما يكون ذلك بسيطاً مثل إغلاق باب مكتبك في المنزل.
- تخصيص وقت الفراغ لتصفح الإنترنت: قد يكون من السهل أن تنساق وراء ممارسات مثل تصفح الإنترنت أو التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي عند وجودك في المنزل؛ لذا خصِّص الوقت الذي وفرته من التنقل في تصفُّح مواقعك المفضلة قبل البدء بالعمل، وإن كنتَ ما تزال تجد صعوبة في الالتزام بالوقت المخصَّص، فحاول استخدام بعض الأدوات مثل فريدوم (Freedom) لتقييد عملية وصولك إلى الويب.
التوازن بين الحياة الخاصة والحياة المهنية:
قد يكون من الصعب مقاومة الرغبة في مضاعفة الجهد للتعويض عن عدم وجودك في المكتب؛ وذلك من خلال العمل لفترة أطول أو الاستغناء عن استراحة الغداء، لكن من الضروري أن تستمر في الحفاظ على توازنٍ صحيٍ بين العمل والحياة حتى عندما تعمل في المنزل، واستخدم الخطوات التالية لمساعدتك على تحقيق ذلك:
- إنشاء حدود مادية: إن كان ذلك ممكناً، فأَعِدَّ مساحة عمل منفصلة عن مساحة منزلك؛ مثل مبنى خارجي أو غرفة إضافية أو حتى مكتبة قريبة؛ إذ إنَّ العمل في غرفة ذات باب مغلق يساعدك على إيقاف التشتيت اليومي الذي مصدره الحياة المنزلية، كما أنَّه يسهِّل عليك إنهاء العمل في نهاية كل يوم.
- حظر استخدام الأجهزة الرقمية في أوقات معيَّنة: يمكن أن تكون الأجهزة التي نستخدمها للبقاء متصلين مثل أجهزة الكمبيوتر المحمول أو الهواتف الذكية مفيدةً للبقاء على اتصال مع الزملاء، ولكنَّها قد تُشعرنا بأنَّنا مُكرَّسون للعمل طوال الوقت، ويمكن لهذا أن يسبب الإجهاد والاحتراق الوظيفي؛ لذا عليك حظر استخدامها في أوقات الوجبات والعطل وساعات ما قبل النوم كل ليلة؛ مما يساعدك على فصل حياتك العملية عن حياتك الشخصية.
- تعيين رسالة تذكير للاستراحة: يمكن أن تساعدك فترات الاستراحة القصيرة المنتظمة على الحفاظ على نشاطك وتركيزك، ويمكنك تقسيم أوقات عملك باستخدام تقنية البومودورو (Pomodoro).
اضبط المؤقت للقيام بالعمل لمدة ساعة، وعندما يرن المنبه كافِئ نفسك بفترة استراحة لمدة خمس أو عشر دقائق يمكنك خلالها الاسترخاء وإعداد القهوة، أو الحصول على بعض الهواء المنعش في الخارج، ثم كرِّر هذه العملية على مدار اليوم وامنح نفسك وقتاً أطول لتناول طعام الغداء.
- تدريب أطفالك على السماح لك بالعمل: ويكاد يكون من المستحيل العمل بشكل منتج عندما يكون لديك أطفال صغار من حولك؛ لذا تأكَّد من إسناد مهمة رعاية الأطفال إلى شخص تثق به، وعلِّمهم أنَّه عند وجودك في المكتب عليهم عدم إزعاجك.
ضع علامة على الباب لتذكيرهم بذلك، أو استخدِم الألوان لإعلامهم بالأوقات التي يمكن لهم أن يدخلوا بها باستخدام اللون الأخضر للسماح لهم بالدخول، والأحمر للتعبير عن عدم إمكانية دخولهم مثلاً، "كما يجب ألَّا تكون شديداً للغاية: فإحدى أجمل اللحظات في المنزل هي عند عودة الأطفال من المدرسة؛ لذا تأكَّد من تخصيص بعض وقت الراحة للاستمتاع بمثل هذه اللحظات البسيطة في المنزل".
Stay Informed with the Latest Developments
