5 خطوات لتعزيز الانضباط الذاتي
"لا يمكنك تسلُّق الجبال إلَّا إذا تغلبت على نفسك أولاً" - جيم ويتاكر (Jim Whittaker)- متسلق جبال أمريكي ومدير تنفيذي.
تستيقظ "ماريتا" قبل بزوغ الشمس كل يوم لممارسة الرياضة. إنَّها تعمل بكفاءة عالية في المكتب متجاهلةً مصادر التشتيت الموجودة، وتكرِّس كل اهتمامها للمشاريع عالية القيمة، وفي المساء تحضر فصلاً عبر الإنترنت، وسوف تتخرج بعد بضعة أشهر بدرجة ماجستير في إدارة الأعمال.
كيف يمكن لأشخاص مثل "ماريتا" تحقيق الكثير بهذه الاستمرارية؟ وكيف يمكننا أن ننجز الكثير في حياتنا الشخصية والمهنية؟ إنَّ جزءاً من الجواب عن هذا يكمن في الانضباط الذاتي، وهو ما يدفعنا إلى تحقيق أفضل رغباتنا وأهدافنا حتى عندما لا نشعر بالرغبة في القيام بذلك.
فإن كنَّا نملك الانضباط الذاتي، فنحن قادرون على تأجيل متعة قصيرة الأجل "أو تحمُّل إزعاج على الأمدين الطويل أو القصير" من أجل السعي إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل.
هذا هو سبب أهمية الانضباط الذاتي، وفي هذا المقال سوف نبحث في ماهيته ونستكشف فائدته وننظر في كيفية تطويره.
ما هو الانضباط الذاتي؟
إنَّه القدرة على دفع نفسك إلى الأمام والبقاء متحمساً واتِّخاذ الإجراءات بغض النظر عمَّا تشعر به جسدياً أو نفسياً، كما أنَّك تُظهر الانضباط الذاتي لذلك تختار بملء إرادتك اتِّباع شيء أفضل لنفسك، وتقوم بذلك على الرغم من عوامل التشتيت أو العمل الشاق أو الصعاب غير المرغوبة.
يختلف الانضباط الذاتي عن الدافع الذاتي أو قوة الإرادة، مع أنَّ الدافع والإرادة يُساهمان في تحقيق الانضباط الذاتي، وكذلك المثابرة والقدرة على متابعة رغباتك والعمل الجاد.
لمَ يجب أن تعمل على تحسين انضباطك الذاتي؟
إنَّ الانضباط الذاتي هام للغاية في العديد من مجالات حياتنا؛ على سبيل المثال هو ما يدفعك إلى القيام بعمل عالي الجودة حتى عندما لا تشعر برغبةٍ في ذلك، فقد يمنحك القوة للحفاظ على مهنيَّتك مع أحد عملائك حتى عندما توشك على الاستسلام، كما يساعدك على التمسُّك بالأهداف الصعبة التي حددتها لنفسك وتحقيقها، كما يمكِّنك الانضباط الذاتي أيضاً من الاستمرار في تحقيق نجاح كبير على الرغم من الصعوبات التي قد يرى الآخرون أنَّه لا يمكن التغلُّب عليها.
يمكن أن يُحسِّن الانضباط الذاتي أيضاً التعلُّم ويعزز الأداء؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ الطلاب الذين يتمتعون بدرجة عالية من الانضباط الذاتي يحتفظون بالمعلومات أكثر من الطلاب الذين لا يتمتعون بانضباط ذاتي، بالإضافة إلى ذلك اكتشف الباحثون أنَّ الطلاب ذوي الانضباط الذاتي القوي كانوا أكثر حذراً في مهامهم؛ مما أدى إلى تحسُّن أدائهم.
أظهرت الأبحاث أيضاً أنَّ قياس مستوى الانضباط الذاتي للشخص يُعَدُّ مؤشراً أكثر دقة للنجاح من قياس معدل الذكاء.
كيفية تطوير الانضباط الذاتي:
إنَّ الانضباط الذاتي يشبه العضلات؛ إذ كلما عملت على تطويرها واستخدامها، أصبحت أقوى، ومع ذلك من الهام للغاية عدم البدء بأهداف طموحة للغاية، وبدلاً من ذلك يمكنك تحديد أهداف صغيرة، مع رفع مستوى التحدي ببطء مع مرور الوقت، فكلما تدربت أكثر، أصبحت أفضل.
اتبع هذه الخطوات الخمس لبدء تطوير انضباطك الذاتي:
الخطوة الأولى: تحديد هدف
ابدأ باختيار هدف واحد فقط تريد التركيز فيه لتطوير انضباطك الذاتي؛ على سبيل المثال ربما ترغب في البدء بممارسة الرياضة كل مساء، أو ترغب في قراءة كتاب عن القيادة كل أسبوع لتعزيز مهاراتك، كما يمكنك ممارسة الانضباط الذاتي على أهداف صغيرة للغاية مثل التركيز في مهمَّة ما لمدة ساعة واحدة دون تصفُّح بريدك الإلكتروني، أو تجنُّب الطعام غير الصحي ليوم واحد.
تذكَّر أنَّ البدء بأمر صغير هو أفضل طريقة لبدء تطوير هذا الانضباط، وكلَّما زاد انضباطك، تمكنت من توسيع تركيزك في المزيد من مجالات حياتك.
تأكَّد من أنَّ الهدف الذي حددته هو هدف يُحقق معايير الأهداف الذكية (Smart Goals)؛ أي أنَّه محدد وقابل للقياس وقابل للتحقيق وذو صلة ومحدد زمنياً.
قسِّم الهدف إلى أهداف فرعية أصغر قدر ما تستطيع.
الخطوة الثانية: البحث عن الدافع
بمجرد اختيار هدف ما عليك ذكر الأسباب التي تدفعك إلى تحقيقه، كما يجب أن تعبِّر عن هذه الأهداف بطريقة إيجابية.
لذا بدلاً من قول: "أريد أن أمارس الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع لإنقاص وزني"؛ يمكن أن تقول: "أريد أن أمارس الرياضة حتى أتمكن من اللعب مع أطفالي في المستقبل والعمل بنجاح"، أو بدلاً من قول: "أريد إنجاز هذه المهمة وشطبها من قائمة المهام"؛ يمكنك قول: "أريد إنجاز هذه المهمة حتى أتمكَّن من تحقيق أهدافي وأُرضي مديري وأشعر بالرضى عن عملي اليومي".
عند سرد الأسباب التي تجعلك ترغب في تحقيق أمر ما ستجد أنَّه من الأسهل بكثير إنجاز المهمة.
الخطوة الثالثة: تحديد العقبات
تحتاج الآن إلى تحديد العقبات التي من المحتمل أن تواجهها عند العمل نحو تحقيق هدفك، ووضع استراتيجية للتغلب على كل واحدة منها.
على سبيل المثال تخيَّل أنَّ هدفك هو قراءة كتاب واحد عن القيادة كل أسبوع لتعزيز مهاراتك، مع العلم أنَّك في الماضي واجهت العديد من العقبات للوصول إلى هذا الهدف؛ فمثلاً عندما تجد كتاباً جيداً قد يكون من الصعب العثور على وقت كل ليلة للقراءة؛ إذ بين العمل والعشاء والأطفال يصبح الوقت متأخراً في المساء. كما قد ينصرف انتباهك بسبب رسائل البريد الإلكتروني الواردة على جهازك اللوحي أو هاتفك في أثناء القراءة.
بمجرد تحديد العقبات عليك ابتكار استراتيجية للتغلُّب على كل منها.
في هذا المثال يمكنك القيام بما يلي:
- بدلاً من الذهاب إلى المكتبة لشراء كتاب؛ يمكنك قضاء ساعة في البحث عن كتب القيادة عبر الإنترنت. ابحث عن العديد من الأشياء التي قد تهمك والتي حصلت على تقييمات مرتفعة، ويمكنك طلبها دفعة واحدة وتنزيلها على قارئ الكتب الإلكترونية؛ إذ تكون في متناول اليد دوماً للقراءة.
- توفير المزيد من الوقت في يومك للتركيز في القراءة، وربما يمكنك القراءة خلال ساعة الغداء أو في أثناء انتظارك اصطحاب أطفالك من المدرسة. احتفظ بقارئ الكتب الإلكترونية بجانبك طوال الوقت وستجد بعض اللحظات المناسبة للقراءة في يومك.
- إيقاف تشغيل جهازك عندما ترغب في التركيز في القراءة.
في كثير من الأحيان ينهار انضباطنا الذاتي لأنَّنا لم نحدد العقبات التي سنواجهها في تحقيق أهدافنا ولم نضع استراتيجيات للتغلُّب عليها، وعندما تظهر هذه العقبات نكون غير مستعدين للتعامل معها؛ وهذا قد يوهن عزيمتنا.
الخطوة الرابعة: استبدال العادات القديمة
عندما نعمل على تطوير الانضباط الذاتي فإنَّنا غالباً نترك العادة السيئة ونستبدلها بشيء أكثر إنتاجية، ومع ذلك إذا رُبِطَت هذه العادة بوقت معيَّن من اليوم أو روتين معيَّن، فإنَّ الإقلاع عنها قد يترك فجوة، وإن لم نستبدل هذه العادة بشيء آخر، فسيصبح غيابها أكثر وضوحاً.
فمثلاً إن كنتَ تحاول إيقاف نفسك عن التسوق عبر الإنترنت عندما تأخذ قسطاً من الراحة في العمل، فهذه العادة السيئة تدمر تركيزك واهتمامك؛ وذلك لأنَّك من المحتمل أن تبقى متصلاً بالإنترنت لمدة قد تصل إلى 20-30 دقيقة في كل مرة.
بمجرد إيقاف هذا السلوك؛ عليك أن تحدد سلوكاً جديداً ليحل محله عندما تحتاج إلى استراحة، فبدلاً من تصفُّح المتاجر الإلكترونية عبر الإنترنت يمكنك القيام ببعض تمارين التمدد في مكتبك أو الذهاب للحصول على كوب من القهوة أو المشي قليلاً في الخارج، وسوف تساعدك هذه السلوكات على دعم هدفك وتقوية انضباطك الذاتي بدلاً من أن تشعر بالفراغ في وقت استراحتك.
الخطوة الخامسة: مراقبة تقدمك
في أثناء عملك على تعزيز الانضباط الذاتي عليك الانتباه إلى ما تشعر به عندما تجده ينمو ويقوى، فقد تشعر بالحرية والسعادة والفخر والحيوية.
فكِّر أيضاً في الاحتفاظ بسجل لتدوِّن به الأهداف التي تريد إحرازها من خلال ممارسة الانضباط الذاتي وتتبُّع تقدمك، وسوف يعزز ذلك التغييرات الإيجابية التي تحققها في حياتك، ويمنحك سجلاً للرجوع إليه لمعرفة التقدم الذي أحرزته، ومع مرور الوقت سيصبح انضباطك الذاتي أكثر قوة، وستكون قادراً على تطبيقه في الكثير من المجالات الأخرى في حياتك.
نصائح أخرى:
- حاول تجنُّب الإلهاءات عندما تبدأ بتطوير انضباطك الذاتي، واجعل من الصعب ممارسة النشاط الذي تحاول تجنُّبه؛ على سبيل المثال إن كنتَ بحاجة إلى الانضباط الذاتي للحفاظ على تركيزك في العمل بدلاً من تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكنك استخدام تطبيقات تحد من الوصول إلى الإنترنت مثل تطبيق فريدوم (Freedom)؛ إذ تحجب هذه المواقع في المكتب.
- كافِئ نفسك عندما تنجح؛ إذ يُبقي الاحتفاء بإنجازاتك الأمور ممتعة، ويعزز عزمك على الاستمرار.
- لا تدع الخوف من الفشل والعقبات العرضية توهن عزيمتك، فالجميع يواجه انتكاسات أو إخفاقات؛ فهذا جزء من الحياة لا يمكن نكرانه؛ لذا عليك الإقرار بأنَّك قد اختبرت الفشل. تعلَّم الدرس وامضِ قدماً.
Stay Informed with the Latest Developments
