blog-details

رفض الطلبات ببراعة: دليل للنمو الشخصي والمهني

يتباهى الفرد في العصر الحديث بانشغاله الدائم واستعداده لتلبية طلبات الآخرين على مدار الساعة، وغالباً ما يكون هذا الاندفاع على حساب العافية وفاعلية العمل على الأهداف الشخصية، فكثيراً ما يندفع الفرد لتلبية طلبات أي شخص يقصده على حساب أهدافه واحتياجاته الشخصية، وهنا بالتحديد تبرز أهمية وضع الحدود ضمن إطار العلاقات الشخصية والعمل.

الرفض هو مهارة مكتسبة وهامة جداً بالنسبة إلى كل شخص يسعى لزيادة مستوى رضاه عن عمله وقراراته في الحياة.

يساعد الرفض على توضيح الحدود ضمن إطار العلاقات الشخصية والعمل، وتحقيق استثمار أمثل للجهد والوقت المتوفر، والتركيز على الأهداف الهامة، وهذا يؤدي بدوره إلى تقليل عبء العمل الواقع على عاتق الفرد وتحسين إنتاجيته وجودة عمله، وزيادة مستوى رضاه عن حياته.

يساعد الرفض على تحسين القدرة على التركيز، والإنتاجية، والرضى عن كافة مناحي الحياة، كما تسمح الحدود بإعطاء الأولوية للأساسيات، والتركيز على الأعمال التي تبعث على الرضى والسعادة في الحياة.

يبحث المقال في موضوع الرفض، والحدود، وفوائد تقليل الالتزامات، ويقدم مجموعة من الأفكار التي تساعد على تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، وتخفيف ضغوطات الالتزامات الاجتماعية، وتحسين الإنتاجية، وتحقيق الأهداف.

أهمية الرفض

كثيراً ما يندفع الفرد لقبول جميع الطلبات، والعروض، والفرص التي تُتاح له دون أن يدرك عواقب الالتزام بما يفوق طاقته وقدرته على التحمل، فتقول المؤلفة "نيدرا غلوفر تواب" (Nedra Glover Tawwab) في كتاب "ضع حدودك الخاصة لكي تنعم بالسلام الداخلي" (Set Boundaries, Find Peace): "يمكن أن يؤدي الإفراط في الالتزام إلى الإنهاك، والقلق، والاحتراق الوظيفي".

تؤكد "تواب" في كتابها على أهمية وضع الحدود وإعطاء الأولوية للاحتياجات والأهداف الشخصية في تحسين الصحة والعافية النفسية، ويمكن أن يؤدي الاندفاع لقبول الطلبات والعروض المتاحة إلى إهمال الاحتياجات الشخصية، وعيش حياة قائمة على إرضاء الآخرين، واستنزاف القدرات والإمكانات، وفقدان شعور الرضى والقناعة.

تبرز هذه الصعوبة بشكل خاص عندما تبذل قصارى جهدك لتلبية طلبات المدير التي لا تنتهي، أو أنَّك مدير ملتزم بأسلوب القيادة الخادمة وتضع احتياجات موظفيك في المقام الأول.

بالمقابل، ينجح الفرد في تخصيص مزيد من الوقت والجهد لأولوياته في الحياة عندما يضع حدوده الخاصة، ويرفض الطلبات والفرص التي لا تخدم أهدافه وقِيَمه الشخصية، ويمكن أن تشمل هذه الأولويات قضاء مزيد من الوقت مع الأحبة، أو اتباع الشغف والاهتمامات الشخصية، أو تحقيق التقدم المهني على سبيل المثال.

تساعد الحدود على تخصيص مزيدٍ من الوقت للاحتياجات الشخصية مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة، وممارسة التمرينات الرياضية، والاستراحة عند الحاجة، وتساعد هذه الرعاية الذاتية على ضبط مستويات التوتر النفسي وتحسين شعور العافية، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة مستوى الرضى وتحسين الإنتاجية في كافة مناحي الحياة.

الرفض ضروري لتحقيق النجاح على الصعيد الشخصي والمهني، وتعزيز القدرة على تحمُّل المسؤولية واستعادة زمام السيطرة على الحياة، والشعور بالسلام الداخلي والرضى عن القرارات والخيارات الشخصية.

كيف ترفض طلبات الآخرين؟

يمكن أن يواجه الفرد صعوبة في رفض طلبات الآخرين، ولكن ثمة مجموعة من الخطوات التي تساعد على تبسيط العملية، ويُذكَر منها ما يأتي:

  • تحديد الأولويات والقِيَم الشخصية: يجب أن تتحقق من توافق الطلبات والفرص المتاحة مع أولوياتك وقِيَمك الشخصية قبل أن تتخذ قرارك، ويُفضَّل أن ترفض الطلبات والفرص عندما تتعارض مع أهدافك وقِيَمك الشخصية لكي تركز على أولوياتك وتتخذ قرارات مدروسة تساعدك على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من وقتك وجهدك.
  • الرفض بحزم وتهذيب: يجب أن تكون حازماً ومحترماً عندما ترفض طلبات الآخرين، ولا داعي لتقديم شروحات مفصلة أو اعتذارات تبرر فيها سبب رفضك، ولكن يُستحسَن أن تعرب عن امتنانك للفرصة أو العرض وتقدم شرحاً موجزاً عن الوضع عند الضرورة، ويمكنك أن تقول على سبيل المثال: "أشكرك على ثقتك بإمكاناتي، ولكنِّي لا أستطيع الالتزام بأي مشروع جديد في الوقت الحالي".
  • اقتراح حلول بديلة أو وسطية: في حال كنت تنوي رفض طلب شخص عزيز أو زميل يعمل في قسمك على سبيل المثال، عندئذٍ يُستحسَن أن تعرض عليه حلاً بديلاً أو وسطياً؛ وليكن تغيير موعد تسليم المهمة أو التواصل مع شخص يمكنه تقديم المساعدة اللازمة.
  • التدريب على الرفض: تقتضي هذه الخطوة تحضير صياغة مناسبة للرفض حتى لا ترتبك عندما يفاجئك أحدهم بطلب أو دعوة غير محسوبة، فيمكنك على سبيل المثال أن تكتب رسالة بريد إلكتروني توضح فيها أولوياتك، وترفض بحزم ما يُطلَب منك، وتستخدمها عند اللزوم.

فيما يأتي مثال مناسب لرفض دعوة أحد المعارف:

تحياتي "اسم المُرسَل إليه"،

يسعدني أن نتواصل مجدداً!

إنِّي أحرز تقدماً كبيراً في العمل في الآونة الأخيرة، ولم يعد لدي ما يكفي من الوقت للقاءاتنا المعتادة لسوء الحظ. لقد ازدادت ضغوطات العمل الواقعة على عاتقي، وأنا أبذل قصارى جهدي لتحقيق الأهداف المنشودة، وتخصيص الوقت الكافي لفريق العمل والزبائن.

أرجو أن نتقابل في إحدى الفعاليات الاجتماعية التي تُقَام بين الحين والآخر، وأشكرك من صميم قلبي على تفهُّمك!

أطيب التمنيات،

"اسمك"

تساعد الخطوات آنفة الذكر على الاعتياد على الرفض وتوضيح الحدود الشخصية بأريحية وثقة، واستعادة زمام السيطرة على الحياة، وتقليل عبء العمل وتحسين جودته.

فوائد تقليل عدد الالتزامات

فيما يأتي مجموعة من الفوائد التي تنجم عن التركيز على الأولويات والقيام بعدد أقل من المهام بفاعلية وجودة أفضل:

1. زيادة الإنتاجية وفاعلية العمل

 يستطيع الفرد أن يخصص مزيداً من الوقت والجهد للتركيز على الأعمال الهامة عندما يرفض المهام والالتزامات الثانوية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحسين الإنتاجية والفاعلية في الحياة الشخصية والمهنية، فيقول المؤلف "غريغ ماكيون" (Greg McKeown) في كتابه "العودة للجوهر: السعي المنضبط لبذل جهد أقل" (Essentialism: The Disciplined Pursuit of Less): "يعني التركيز على الأساسيات التخطيط المدروس بدل العيش بطريقة عبثية وتلقائية".

يستطيع الفرد أن يحقق مزيداً من الأهداف والنتائج المنشودة، ويتجنب هدر الوقت على الأعمال الثانوية عندما يخطط لاستثمار وقته وجهده في سبيل أولوياته.

2. تخصيص مزيد من الوقت للاسترخاء والرعاية الذاتية

ينجح الفرد في توفير مزيد من الوقت للنشاطات التي تعزز عافيته وشعوره بالسعادة والبهجة في الحياة عندما يرفض الالتزامات التي تتعارض مع أولوياته، ويمكن استثمار هذا الوقت الإضافي في لقاء الأحبة، أو ممارسة الهوايات والنشاطات الإبداعية، أو الاكتفاء بالاسترخاء والاهتمام بصحة الجسد والحالة النفسية.

يؤكد " ماكيون" في كتابه أنَّ الإنسان "الذي يتنازل عن حقه في الاختيار يمنح الآخرين سلطة اتخاذ قراراته عنه"، وينجح الإنسان في استعادة زمام السيطرة على حياته والعيش برضى وقناعة عندما يقرر تقليل عدد التزاماته.

الاسترخاء والعناية بالنفس

3. تحسين جودة العمل والعلاقات الشخصية

يمكن تحسين جودة العمل المُنجَز والعلاقات عبر التركيز على عدد أقل من المهام.

تتيح هذه الطريقة للفرد إمكانية تركيز كامل انتباهه على المهام التي يعمل عليها والأشخاص الذين يهتم لأمرهم، فيقول "ماكيون" في هذا الصدد: "كثيراً ما ينجم الفشل عن السعي المضني في سبيل تحقيق النجاح"، لأنَّه يمكن أن يؤدي إلى إنهاك الفرد ومنعه من بلوغ مراده، وبالمقابل، يساعد التركيز على الأساسيات وإغفال مصادر التشتيت والأمور الثانوية على تحقيق مزيد من النجاح وتحسين جودة العلاقات وزيادة مستوى الرضى في الحياة.

يُستحسَن أن تركز على القيام بعدد أقل من المهام بفاعلية أكبر لكي تنجح في تحسين إنتاجيتك، وعافيتك، ومستوى رضاك عن حياتك الشخصية والمهنية، فينجح الإنسان في تحقيق النتائج والأهداف المرجوة وتخصيص مزيد من الوقت للأولويات عندما يعرف كيف يستثمر جهده ووقته.

من الطبيعي أن تتراكم الضغوطات والالتزامات على عاتق الفرد في العصر الحديث، ولكن يمكنه أن يحافظ على وقته، وجهده، وعافيته عبر رفض المسؤوليات والأعمال الثانوية والقيام بعدد أقل من المهام بفاعلية أكبر.

فيما يأتي مجموعة من النقاط التي تلخِّص المعلومات الواردة في المقال:

  • يمكن أن يؤدي الإفراط في قبول الطلبات والفرص إلى التعرض للاحتراق الوظيفي، والتوتر النفسي، وانخفاض الإنتاجية.
  • أثبتت طريقة وضع الحدود وترتيب الأولويات فاعليتها في تحسين الإنتاجية، وتوفير مزيد من الوقت للرعاية الذاتية والاسترخاء، وتحسين جودة العمل والعلاقات.
  • يمكنك أن ترفض الطلبات بحزم وتهذيب عبر تحديد أولوياتك وقِيَمك الشخصية، والتدريب على صياغة الرفض، واقتراح حلول بديلة أو وسطية، وتحضير إجابات مسبقة.
  • تساعد تقنية القيام بعدد أقل من المهام بفاعلية أكبر على تحسين الإنتاجية، والعافية، والرضى على الصعيد الشخصي والمهني.

في الختام

ينجح الإنسان في حياته عندما يدرك أهمية الحدود الشخصية، وترتيب الأولويات، ورفض المسؤوليات التي تتعارض مع أهدافه وقِيَمه، ولا بأس من ناحية أخرى بالتراجع خطوة إلى الوراء، والتريث في الحياة، والتركيز على القيام بعدد أقل من المهام بفاعلية أكبر، فتساعد هذه الإجراءات على تحقيق مزيد من النجاحات والرضى في كافة ميادين الحياة.

كما ورد في كتاب "ماكيون": "إذا لم تتحمل مسؤولية ترتيب الأولويات في حياتك، فإنَّك تمنح الآخرين فرصة التحكم فيها"؛ لذا عليك أن تتحمل مسؤولية حياتك، وتركز على أولوياتك، وتتعود على رفض الطلبات التي تتعارض معها.

کن على إطلاع بأحدث المتسجدات

اشترك واحصل على أخر المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى.
to-top
footer1

is

illaf-train

Business.©2025