أهمية فترات الراحة في العمل
تتطلب الإنتاجية العالية وفق اعتقاد بعضهم زيادة عدد ساعات العمل، بالتالي ننجز عدداً أكبر من المهام إذا خصصنا وقتاً أطول للعمل عليها، ولا عجب أنَّ كثيراً من الدراسات الشائعة، تقدِّم نصائح عن كيفية زيادة الوقت المخصص للعمل.
يتَّبع المديرون التنفيذيون عادات كالاستيقاظ في الساعة الرابعة صباحاً، والعمل في عطلة نهاية الأسبوع، ويعمل عدد من الموظفين أيضاً لساعات متواصلة دون توقف، ولا يأخذون استراحة الغداء، ويبقون في العمل لوقت متأخر كي ينهون عبء العمل المتزايد باستمرار. تبيَّن أنَّ العمل المتواصل لساعات طويلة، يُنهك الموظف؛ إذ كشفَ استطلاع أجرته شركة "أفلاك" (Aflak) أنَّ 59% من الموظفين يعانون من الاحتراق الوظيفي.
وبالتالي ينخفضَ معدل اندماجهم، فيتراجعَ أداءهم؛ لذا خُذْ استراحات منتظمة بدلاً من الاستمرار في العمل لوقت طويل من أجل تحسين الأداء والسلامة النفسية للموظفين. يعتقد بعضهم أنَّ زيادة عدد ساعات العمل هو مؤشر على الأداء العالي، في حين يفترض آخرون أنَّ الاستراحات المنتظمة، تحافظ على عافية الموظفين، فتتعارض نتائج الدراسات والأبحاث التي تناولَت موضوع الاستراحة في مكان العمل.
لهذا السبب أُجرِيت مراجعة منهجية للأبحاث المتعلقة باستراحات مكان العمل، وبعد تحليل أكثر من 80 دراسة، أكَّدَ القائمون على المراجعة أنَّ أخذ فترات راحة منتظمة خلال يوم العمل، يعزز السلامة من جهة، ويُنجِز مزيداً من العمل من جهة أخرى.
أهمية أخذ استراحات خلال العمل في تعزيز السلامة والأداء
يؤدي نفاد الطاقة الجسدية والنفسية المحدودة الموجودة لدى البشر إلى الشعور بالإرهاق والإنهاك والتوتر، ويتسبب العمل المتواصل عند انخفاض الطاقة في انخفاض مستوى العافية والأداء، وقد يؤدي في الحالات القصوى إلى الدخول في دوَّامة سلبية. يُنهي الموظفون المهام على الرغم من شعورهم بالإرهاق، ولا يستطيعون أداءها بإتقان؛ بل يرتكبون الأخطاء، فيعملون لوقت أطول لتصحيحها، بينما تنخفض طاقتهم أكثر. نستنتج أنَّه كلما عملنا أكثر، انخفضت إنتاجيتنا وازداد شعورنا بالإرهاق.
تساعد الاستراحات المنتظمة الموظفين على استعادة طاقتهم، وتجنُّب الإنهاك وانخفاض الإنتاجية، ولكن لا تقدِّم أنواع فترات الراحة جميعها ذات التأثيرات.
أكثر أنواع فترات الراحة فعالية لتعزيز السلامة والأداء
تتنوع نشاطات الاستراحات في العمل، ويُذكَر من أمثلتها ممارسة الرياضة، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، والخروج في نزهة قصيرة، والاختلاط بالآخرين، وأخذ قيلولة، وتناول الغداء، وغيرها.
أظهرَت المراجعة المنهجية السابقة أنَّ فعالية الاستراحة، تعتمد على مجموعة من العوامل، ويُذكَر منها ما يأتي:
1. طول الاستراحة وموعدها
يعتقد بعضهم أنَّ الاستراحات الطويلة، أفضل من القصيرة، ولكن تبيَّن أنَّ فترات الراحة القصيرة المنتظمة، تقي من الإرهاق وتحسِّن الأداء؛ إذ يأخذ الموظفون فترات راحة قصيرة مثلاً لتناول الوجبات الخفيفة أو التمدد أو حتى مجرد النظر خارج النافذة، ويعد موعد الاستراحة هاماً أيضاً؛ إذ إنَّ الاستراحات القصيرة، أكثر فعالية صباحاً، بينما تفيد الاستراحات الطويلة في فترة ما بعد الظهر، ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ التعب يزداد خلال يوم العمل، الأمر الذي يستدعي وقت راحة أطول في فترة ما بعد الظهر.
2. مكان أخذ الاستراحات
يؤثر مكان الاستراحة في القدرة على استعادة الطاقة، فربما تبدو فوائد النشاطات، مثل التمدد في المكتب والخروج في نزهة قصيرة متشابهة، ولكنَّ تأثيرها في تجديد الطاقة قد يختلف كثيراً؛ إذ كشفَت المراجعة أنَّ الخروج من المبنى والاستمتاع بالمساحات الخضراء، أفضل بكثير لتجديد نشاط الموظفين من قضاء وقت الاستراحة في المكتب.
3. النشاط الممارَس في الاستراحة
تعزز ممارسة الرياضة خلال وقت الاستراحة السلامة النفسية والأداء؛ فهي تجدد طاقة مَن يعملون على مهام تتطلب مجهوداً ذهنياً، ولكنَّ التأثير الإيجابي لهذا النوع من الاستراحة مؤقَّت، ويجب على الموظفين ممارسة الرياضة بانتظام لالتماس فوائدها.
على الرغم من فوائد ممارسة الرياضة، إلا أنَّ الموظفين لا يحبذون هذه الطريقة في قضاء استراحاتهم، فتُظهر المراجعة أنَّ تصفح وسائل التواصل الاجتماعي هو أكثر أنواع الاستراحات شيوعاً بين الموظفين، ولكن اكتشفَ الباحثون أنَّ تصفح مواقع التواصل الاجتماعي خلال استراحات العمل، قد يسبِّب الإرهاق العاطفي، مما يؤدي إلى تقويض الإبداع والاندماج في العمل بدلاً من تجديد الطاقة، وقد لا يُحسِّن هذا النوع الأداء.
4. قضاء الاستراحات رفقة الحيوانات الأليفة
أظهرَت إحدى الدراسات التي تناولتها المراجعة السابقة أنَّ التفاعل مع الكلاب، يخفِّض مستويات هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر، ولكنَّ هناك حاجة إلى مزيد من البحث في هذا الموضوع؛ لأنَّ تأثيره في الأداء لا يزال غير واضح، ولكن يرى القائمون على المراجعة أنَّ قضاء الاستراحة رفقة حيوان أليف فعال بالنسبة لعدد من الموظفين، فتظهر الأبحاث أنَّ هذه التفاعلات، تعزز السلامة النفسية للموظفين، وتحسِّن أداءهم.
دور المديرين والمنظمات في تشجيع الموظفين على أخذ الاستراحات
لا تضمن إتاحة فترات للراحة استفادة الموظفين منها؛ لأنَّهم قد لا يستخدموها بفعالية أو لا يأخذوها أصلاً، بالتالي يحث المديرون الموظفين على أخذ استراحات فعالة في العمل، لا سيما وأنَّهم أصحاب القرار والقدوة في المنظمات، وفيما يأتي بعض الطرائق لتحقيق ذلك:
1. تبنِّي موقف إيجابي تجاه الاستراحة
يرى الموظفون عموماً أنَّ الاستراحات، تحسِّن الأداء، ولكنَّ المديرين لا يوافقونهم الرأي دوماً، مما قد يُثني الموظفين عن أخذ فترات راحة لاستعادة طاقتهم، يستدعي هذا تثقيف المديرين حول فوائد فترات الراحة في تحسين الأداء.
يُدرِج مديرو الموارد البشرية هذه المعلومات في برامج التدريب المخصصة بالسلامة النفسية التي تقدِّمها الشركة، كما يمكن أن تشارك المنظمات استراتيجياتها لأخذ فترات راحة فعالة، وتقدِّم الأفكار حول نشاطات ممتعة يمكن ممارستها فيها، حتى أنَّه يمكن تعليق ملصقات توضح فوائد الراحة في مكان العمل وأفضل ممارساتها.
2. التزام المديرين بأوقات الاستراحة
يُبرِز المديرون أهمية الاستراحات عن طريق تطبيق أنواع الراحة الفعالة بانتظام، فيقتدي الموظفون بهم، فمثلاً حين يأخذ المدير حيوانه الأليف في نزهة بانتظام، سيرى الموظفون ابتعاده عن العمل قليلاً من أجل ذلك، بالتالي يُبرز هذا الأسلوب ضرورة احترام فترات الراحة وعدم مقاطعتها. يتخلص الموظف بهذه الطريقة من شعور الذنب والخجل عند الاستفادة من فترات الراحة، ويدرك مزيداً من القادة أهمية الراحة، بالتالي يُعربون عن أسفهم على إهمال الاستراحات.
3. تخصيص أوقات للراحة
كشفَت المراجعة أنَّ عدداً من الموظفين لا يأخذون استراحات منتظمة، أو يتجنبوها عمداً بسبب شعورهم بالخجل من ذلك؛ لذا يُنصَح بأن يخصص المديرون أوقات للراحة، ويختاروها بعناية. تحدُّ المواعيد الصارمة للاستراحات، مثل إلزام الموظفين بالتوقف عن العمل في وقت معيَّن ولمدة محددة مسبقاً من استقلالية الموظفين، وتوثر سلباً فيهم، فيُنصَح بتخصيص استراحات لفترة معيَّنة، مثل ساعة يومياً، وترك قرار تحديد توقيتها للموظفين.
تقدِّم الشركات أيضاً جداول عمل مرنة ومبادرات مبتكرة للراحة في مكان العمل، مثل منح الموظفين تذاكر يومية تسمح لهم بأخذ ساعة استراحة يحددون موعدها بأنفسهم، أو توفير نشاطات اجتماعية أو بدنية.
4. إنشاء أماكن مخصصة للاستراحة في الشركة
يؤدي مكان قضاء أوقات الراحة دوراً هاماً في تعزيز فوائدها، فمثلاً يُبرز إنشاء حديقة صغيرة أو مساحة خضراء داخل الشركة اهتمامها بتوفير الراحة وتحسين أداء الموظفين، كما يمكن إنشاء منتزه للحيوانات الأليفة لزيادة فوائد الاستراحات للموظفين الذين يستمتعون بذلك، فتستقطب هذه الطريقة المواهب، بالتالي يرتفع الطلب على أماكن العمل الصديقة للحيوانات الأليفة.
يجب على المنظمات التي يعمل موظفوها عن بُعد تنظيم اجتماعات من خلال الإنترنت، ليستطيع الموظفون الانضمام إليها خلال المشي في الخارج، أو وهُم جالسون في أي مساحة خارجية يفضِّلونها، أو تخصص المنظمات "ميزانية الاستراحة" للموظفين لينشئوا مساحة استراحة مخصصة بهم، مثل شراء نبات داخلي أو معدَّات لممارسة اليوغا.
في الختام
يجب أن تُدرِك المنظمات أهمية فترات الراحة وتقدِّم ممارسات فعالة تشجع الموظفين على أخذها، لطالما أثارَ أداء الموظفين قلق المنظمات، وازدادَ عدد الشركات التي تبذل جهوداً لتعزيز سلامة موظفيها، من خلال توفير فترات الراحة من العمل.
کن على إطلاع بأحدث المتسجدات
