مصفوفة أيزنهاور (Eisenhower Matrix): عناصرها وخطوات الاستفادة منها -الجزء الأول
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق "دوايت أيزنهاور" (Dwight D. Eisenhower): "لا يمكن لإنسان على وجه البسيطة أن يحدِّد بدقَّة الفارق بين الأمدين القصير والطويل، وخاصة في أوقات الأزمات التي تجبر الفرد على تركيز كامل انتباهه على القضايا العاجلة بدل التخطيط للمسائل المستقبلية الهامة"، وتولَّى "أيزنهاور" رتبة جنرال في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، وشغلَ منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، واشتهِر بإنتاجيته العالية.
نجح "أيزنهاور" خلال فترة حكمه التي استمرت لولايتين متتاليتين في الإشراف على إنشاء الطرق السريعة بين الولايات، وإطلاق وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" (NASA)، وإحداث قانون الحقوق المدنية، وإنهاء الحرب الكورية، وضمَّ منطقتي "هاواي" و"ألاسكا" إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومنعَ تصعيد الصراع مع روسيا.
منحته مؤسسة "غالوب" (Gallup) لقب رجل العام الأكثر شعبية أكثر من 12 مرة، ولقد نجح "أيزنهاور" في تحقيق عدد من الإنجازات التي أثَّرت في بلده والعالم أجمع من خلال إدراك الاختلاف الجوهري بين الأهمية والعجلة.
استشهَدَ "أيزنهاور" في خطاب ألقاه في عام 1954 بكلام أستاذ جامعي لم يصرِّح عن اسمه، وقد ورد فيه: "ثمة نوعان من المشكلات وهي المستعجلة والهامة، المستعجلة منها غير هامة، ويستحيل أن تكون الهامة مستعجلة".
لقد صاغ المؤلف "ستيفن كوفي" (Stephen Covey) أفكار "أيزنهاور" في كتابه "العادات السبع الأكثر فاعلية" (The 7 habits of highly effective people)، ويقدِّم الكتاب أداة بسيطة لترتيب المهام وفق الأولوية وهو ما يُعرَف في الوقت الحالي باسم "مصفوفة أيزنهاور"، أو "مصفوفة إدارة الوقت"، أو "صندوق أيزنهاور"، أو "طريقة أيزنهاور"، أو "مصفوفة الهام-المستعجل"، وتساعد هذه الطريقة على التغلب على "أثر الضرورة الملحَّة"، والحد من مصادر هدر الوقت، وتوفير مزيد من القدرات العقلية لتحقيق التقدم في العمل على الأهداف.
صيغة مصفوفة "أيزنهاور"
تُستخدَم مصفوفة "أيزنهاور" لحل المشكلات الآتية:
- الانشغال المستمر في حل المشكلات الطارئة.
- الانشغال في العمل دون أن تحقِّق نتائج فعلية على أرض الواقع.
- عدم توفُّر الوقت والطاقة اللازمة لتحقيق التقدُّم في العمل على الأهداف طويلة الأمد.
- صعوبة تفويض المهام ورفض الطلبات.
- صعوبة تولِّي منصب مرموق تطمح إليه.
يتألف المقال من جزأين، وهو يهدف إلى توضيح الفرق بين العاجل والهام، وكيف يمكن الاستفادة من مصفوفة "أيزنهاور" في تحقيق هذا الهدف، وآلية تطبيقها على المشاريع طويلة الأمد والمهام اليومية.
صعوبة ترتيب المهام وفق الأولوية
وردَ في مجلة "كونسومر ريسيرتش" (Consumer Research) دراسة حديثة تبحث في الطريقة المتَّبعة عند المفاضلة بين المهام التي تتفاوت في مستوى العجلة والأهمية، واستنتجَ الباحثون بعد إجراء 5 تجارب منفصلة أنَّ الفرد يميل لتركيز انتباهه على المهام المستعجلة والتي تتضمن موعد تسليم محدداً وقريباً أكثر من غيرها حتى لو كانت الأعمال غير المستعجلة تقدِّم نتائج أفضل على الأمد الطويل.
يُطلَق على هذه النزعة اسم "أثر الضرورة الملحَّة" وهي تفسِّر الصعوبات التي يواجهها الفرد في إدارة الوقت والمهام، فيميل الإنسان بالفطرة إلى إعطاء الأولوية للمهام المستعجلة على حساب الأعمال التي لا تشترط التسليم في موعد محدد بصرف النظر عن النتائج على الأمد الطويل، وتنتشر هذه النزعة على وجه الخصوص بين الأفراد الذين يعدون أنفسهم مشغولين طوال الوقت.
لقد كشفت نتائج البحث آنف الذكر أنَّ هؤلاء الأشخاص يفضِّلون المهام المستعجلة حتى لو كانت الفوائد التي تنجم عنها قليلة؛ لأنَّهم يركِّزون على عامل مدة المهمَّة فقط، وتشيع هذه الحالة بين الأشخاص الذين يعانون من ضيق الوقت، وهو ما يدفعهم إلى إعطاء الأولوية للمهام التي يجب إنجازها وفق خطة زمنية محددة.
لحسن الحظ، يمكن التغلب على أثر الضرورة الملحَّة وفق نتائج الدراسة آنفة الذكر، فطلبَ الباحثون من المشاركين إمعان التفكير في النتائج المترتبة على اختياراتهم قبل اتخاذ القرار النهائي، وهو ما أدى إلى زيادة احتمال تفضيل المهمة الهامة على نظيرتها المستعجلة، وتوصي الدراسة بالنظر في أهمية المهام غير المستعجلة على الأمد الطويل بغية الحد من نزعة تفضيل الأمور الطارئة، والتركيز على الأعمال الهامة على الأمد الطويل.
مصفوفة أيزنهاور
مصفوفة أيزنهاور هي عبارة عن أداة بسيطة تأخذ بالحسبان النتائج طويلة الأمد للمهام اليومية وتركِّز على زيادة كفاءة العمل وإنتاجيته، وتساعد على ترتيب جميع المهام ضمن مصفوفة مُقسَّمة إلى 4 أرباع بناءً على عاملَي الأهمية والعجلة، وتصنِّف المصفوفة جميع المهام اليومية والمشاريع الضخمة ضمن الفئات الآتية:
- المهام والمشاريع الهامة والمستعجلة: يبدأ العمل عليها في الحال.
- المهام والمشاريع الهامة وغير المستعجلة: تُؤجَّل إلى موعد لاحق.
- المهام والمشاريع المستعجلة وغير الهامة: تُفوَّض إلى شخص آخر.
- المهام والمشاريع غير المستعجلة وغير الهامة: تُحذَف من قائمة المهام.
إنَّ التمييز بين المستعجل وغير المستعجل، وبين الهام وغير الهام في الحياة العملية أصعب بكثير ممَّا هو عليه ضمن إطار التجارب والأبحاث العلمية، ويوضِّح المؤلف "كوفي" هذه الفوارق على النحو الآتي:
1. المهام العاجلة
تتطلب هذه المهام تدخُّلاً فورياً ولا تحتمل التأجيل، وغالباً ما تترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة وواضحة، فلا يمكن تجنُّب المهام المستعجلة، ولكن يتعرض الفرد لمستويات عالية من التوتر والاحتراق النفسي عندما يقضي معظم وقته في التعامل مع المسائل الطارئة.
2. المهام الهامة
تحقِّق هذه المهام الأهداف طويلة الأمد وتلتزم بالقِيَم الحياتية، وهي تتطلب كثيراً من التخطيط والتطبيق المدروس، ويفيد التركيز على المسائل الهامة في إدارة الوقت، والطاقة، والانتباه وتجنُّب هدر هذه المصادر وتشتيتها بطريقة غير مدروسة، وتعتمد الأهمية على القِيَم والأهداف الشخصية، وهي تختلف من فرد لآخر ولا يمكن لأي أحد أن يقدِّر معيار الأهمية بالنيابة عنك.
مم تتألف مصفوفة أيزنهاور؟
تتألف مصفوفة أيزنهاور من 4 أرباع على النحو الآتي:
1. الربع الأول هام ومستعجل
تحتاج الأعمال المستعجلة والهامة إلى التنفيذ المباشر، وهي غالباً ما تشترط موعداً محدداً للتسليم، ويترتب على تأجيلها عواقب وخيمة، وغالباً ما تُفرَض هذه المهام فرضاً مفاجئاً على الفرد أو أنَّه استمر في تأجيلها لوقت طويل وأصبح موعد تسليمها قريباً، ويُذكَر من أمثلتها ما يأتي:
- إنجاز أعمال زميل اضطر للتغيب عن العمل بسبب أزمة صحية.
- تعطُّل السيارة على الطريق.
- الأعطال المنزلية التي لا تحتمل التأجيل، مثل تسريب شبكات الصرف الصحي.
- تعرُّض العميل لمشكلة ملحَّة تتطلب مساعدتك.
- موعد تسليم وشيك موكل إليك.
لا بُدَّ أن تتعرض لهذا النوع من المهام مهما كنت حريصاً على تأدية الأعمال المطلوبة منك في وقتها ولا تميل للتسويف، لأنَّها غالباً ما تكون خارجة عن إرادتك ومتعلقة بالظروف المحيطة بك، وتبرز المشكلة عندما يركِّز الفرد على المسائل الطارئة والمفاجئة على حساب الأهداف الهامة على الأمد الطويل، ويؤكِّد "كوفي" أنَّ قضاء كثير من الوقت على مهام الربع الأول يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر النفسي، والاحتراق الوظيفي، والشعور بفقدان السيطرة على الحياة اليومية، ويمكن أن يؤدي العمل المتواصل على إنجاز المهام الطارئة إلى استنزاف الطاقة والشغف تجاه العمل.
2. الربع الثاني هام وغير مستعجل
يتضمن الربع الثاني المهام والنشاطات التي تحقِّق الأهداف طويلة الأمد، وهي لا تشترط موعد تسليم محدداً في كثير من الأحيان، وهذا يدفع الفرد إلى تأجيلها على حساب المهام المستعجلة، وتؤثر هذه المهام في فاعلية إنجاز الأهداف على الأمد الطويل، ويُذكَر من أمثلتها:
- تخطيط المشاريع طويلة وقصيرة الأمد.
- الأعمال الروتينية ومشاريع الصيانة.
- بناء العلاقات المهنية والشخصية.
- اكتساب المهارات الجديدة، ومتابعة الأبحاث الجارية في مجال العمل، وحضور الفعاليات التعليمية.
- التمرينات الرياضية وممارسات الرعاية الذاتية الروتينية.
يؤكِّد "كوفي" أنَّ الربع الثاني مثالي لإدارة الوقت، واستثمار الفرص المتاحة والتطوير الشخصي والمهني بدل التركيز على حل المشكلات الطارئة كما في الربع الأول، ويعني الالتزام بمهام الربع الثاني أنَّ الفرد فاعل ومبادر في التخطيط لمستقبله، وإعطاء الأولوية للنشاطات التي تنمِّي مهاراته وقدراته، وتجدِّد طاقته، وتحقِّق أهدافه، ويقلِّل التركيز على مهام الربع الثاني عدد المشكلات العاجلة التي تطرأ في الربع الأول، وإعداد خطط العمل اللازمة لتحقيق الأهداف وإنجاز المشاريع المستقبلية.
في الختام
كثيراً ما ينشغل الفرد بطوارئ الحياة اليومية ويضطر لإعطائها الأولوية على حساب أهدافه وطموحاته الشخصية، فتُستخدَم مصفوفة أيزنهاور للتغلب على هذه المشكلة من خلال تصنيف المهام بناءً على عاملَي العجلة والأهمية، ولقد قدَّم الجزء الأول من المقال معلومات وافية عن مصفوفة أيزنهاور وشرحاً عن طبيعة المهام التي تنتمي لأول ربعين منها، ويبحث الجزء الثاني والأخير منه في الربعين الباقيين.
کن على إطلاع بأحدث المتسجدات
