تستخدم الشركات مؤشرات الأداء الرئيسة (Key Performance Indicators - KPIs) كمقاييس لتقييم النجاح، مثل كسب 1000 عميل جديد بحلول نهاية العام، أو زيادة الأرباح الصافية بنسبة 20% في الربع الثاني.

تقيس مؤشرات الأداء الرئيسة في الشركات النجاح الجماعي؛ حيث يعمل مجموعة من المديرين والموظفين معاً لتحقيق نتائج متسقة تعزز نمو الشركة. 

بالمقابل، تقيّم مؤشرات الأداء الرئيسة الفردية نجاح الفرد على الصعيدين المهني والشخصي.

يناقش هذا المقال كيفية تحديد مؤشرات الأداء الرئيسة الفردية لتقييم نجاحك في العمل والمنزل، وهو ما سيساعدك على معرفة إن كنت على المسار الصحيح لتحقيق أهدافك الشخصية والمهنية.

تقييم النجاح الشخصي

يتجاوز تقييم النجاح الشخصي التعريف التقليدي المرتبط بالتقييم المادي والمكانة الاجتماعية، ويتّسع ليشمل الإنجازات الشخصية والرضا، ولا يرتبط بالضرورة بتوقعات المجتمع. يعتمد تقييم النجاح الشخصي في الوقت الحالي على الرضا الذاتي بدل المراتب الاجتماعية والمهنية.

لكنَّ هذا يعني أنَّ ما يمثل النجاح لشخص قد لا يكون معياراً صالحاً لشخص آخر. أصبح النجاح مصطلحاً فردياً مخصصاً؛ حيث يختلف تعريفه من شخصٍ لآخر. الحجة المقنعة لهذا هي أنَّ لكل شخص مسار حياة فريد مختلف عن الآخرين، فمن المبرر أن تتباين مقاييس النجاح أيضاً.

خصائص مؤشرات الأداء الرئيسة الفردية

توفر هذه المؤشرات منظوراً أكثر شموليةً حول التقدم الشخصي مقارنةً بالمقاييس المهنية. هذه المؤشرات الفردية هي مزيج من النتائج الملموسة والرضا.

يتطلب إنشاء مقياسٍ حقيقي ودائمٍ للنجاح، فهماً عميقاً للتوازن المطلوب بين الجودة والإنتاجية؛ أي التوازن بين الجهد الذي تبذله وجودة العمل الذي تؤديه، وأيضاً معرفةً قيمةً بالإنجازات النوعية.

كما تمكّنك المؤشرات الشخصية الخاصة بك من تعريف النجاح وفقاً لشروطك وحياتك، والابتعاد عن المعايير العامة التي غالباً ما تكون مبهمة وغير مناسبة لمقاييس النجاح الفردية. 

قد يكون الحصول على أجرٍ عالٍ مثلاً أقل أهمية بالنسبة لك من رعاية عائلتك أو مشاركة أفكارك عبر الانترنت ليستفيد منها الجمهور.

مؤشرات الأداء الرئيسة الشخصية الأهم بالنسبة لك

إنَّ المقاييس الحقيقية للنجاح الشخصي لا تحددها المظاهر الخارجية؛ بل تتعلق بالعافية الشخصية والرضا. اختر هذه المقاييس بعناية، بحيث تعكس ما يهمك حقاً.

في ما يلي، 6 مجالات حياتية تؤخذ بالاعتبار عند تحديد مؤشرات الأداء الشخصية الخاصة بك، مع مناقشة كيف يمكن لكل من هذه المجالات قياس نجاحك الحقيقي على الصعيدين المهني والشخصي:

1. أن تعيش وفقاً لقيمك الأساسية

إنّ معرفة قِيَمك الأساسية أمر حاسم في تحديد نجاحك الشخصي، فهي المقياس النهائي لمدى تقدمك في الحياة. 

كان "بنجامين فرانكلين" (Benjamin Franklin)، وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، مؤمناً بهذا بشدة حيث وضع قائمة تتضمن 13 فضيلة ضرورية للعيش. نشأ هذا الالتزام الأخلاقي الذي فرضه على نفسه من إدراكه أنَّ اتباع نهج محدد للتنمية الشخصية يمكن أن يؤدي إلى حياة ذات معنى أعمق.

تضمنت القائمة الفضائل التالية: التوازن - الصمت - النظام - العزيمة - الاقتصاد - الاجتهاد - الإخلاص - العدالة - الاعتدال - النظافة - السكون - العفة - التواضع. قد وُصفت كل فضيلة بطريقة تسهِّل تطبيقها عملياً. على سبيل المثال، قاعدة "الصمت"، وهي: "لا تتحدث إلا بما قد يفيدك أو يفيد الآخرين، وتجنب الأحاديث التافهة".

لم يكن هذا مجرد تجربة عابرة بالنسبة "لفرانكلين"؛ بل كان يبدأ كل صباح بجديةٍ بسؤال: "ما الخير الذي سأفعله اليوم؟"، وينهي يومه بتفكير مسائي: "ما الخير الذي فعلته اليوم؟". تثبت هذه الممارسة، النظامية والتأملية، التزام "فرانكلين" الثابت بالنمو الشخصي.

يحترم الإنسان نفسه ويكتشف أهدافه في الحياة عندما يلتزم بقِيَمه الشخصية، مثلما حدث مع "فرانكلين"، وخاصةً إذا اعتمد على هذه القِيَم في اتخاذ قراراته اليومية، ووضع أهدافه الشخصية والمهنية على الأمد الطويل. ينبع النجاح الحقيقي في النهاية من الأصالة أو العيش وفقاً لقيمنا الأسمى.

تقتضي الخطوة الأولى، لوضع مقاييس النجاح الفردية، تحديد أهم المبادئ والقِيَم الشخصية، ويُذكَر من أمثلتها الشجاعة، والنزاهة، والمنظور الإيجابي، والالتزام، والوعي الذاتي.

الخطوة التالية، هي تحويل هذه القِيَم إلى أنشطة قابلة للقياس تُترجم إلى نجاح شخصي في العمل وفي المنزل. في ما يلي، بعض الأمثلة لمؤشرات الأداء الرئيسة على الصعيدين الشخصي والمهني:

أمثلة في الحياة المهنية

• الشجاعة: دافع عن مبدأ تؤمن به دون أن تبدو ضعيفاً أو عدوانياً.
• النزاهة: قاوم ضغط المحيط عندما يدفعك في اتجاه يعارض نزاهتك (مثل الإعراض عن المشاركة في النميمة عن زميل).
• المنظور الإيجابي: كن إيجابياً، حتى لو اتخذت المحادثة منحى سلبياً.

أمثلة في الحياة الشخصية

• الشجاعة: اعترف بعادة سلبية وابدأ بخطة عمل للتغلب عليها.
• النزاهة: كن دائماً صادقاً في علاقاتك مع العائلة والأصدقاء.

2. أن تكون منتجاً

تٌشعِرُكَ الإنتاجية الشخصية بالقيمة والاحترام الذاتي، لأنها تثبت قدراتك وتعزز ثقتك بنفسك. 

كما تبني الإنتاجية زخماً، فكل جهدٍ هو خطوةٌ للأمام، مهما كان بسيطاً. إنَّها حلقة تغذية راجعة إيجابية؛ حيث يغذي الإنجاز مزيداً من الإنتاجية.

أمثلة عن هذه المؤشرات في الحياة المهنية

• حافظ على التركيز لفترة محددة، مثل العمل لمدة 2-3 ساعات على مشروع أو مهمة دون السماح لنفسك بالتشتت.
• أكمل على الأقل مهمةً واحدةً هامةً كل يوم.

أمثلة في الحياة الشخصية

• اعمل باستمرار على مشروع يهمك.
• حافظ على نظافة وترتيب منزلك.
• مارس هواياتك بانتظام.

3. أن تحقق الأمان المالي وتدير مالك بحكمة

الأمان المالي ضروري لتخفيف التوتر وتحقيق الرضا في الحياة، وهو لا يقتصر على زيادة المدخول المادي فقط؛ بل يشمل تحسين خطط إدارة المال، وادخاره، واستثماره. يجب أن تتخذ قرارات مدروسة تزيد ثروتك مع مرور الوقت، وتساعدك في تحقيق أهدافك المالية تدريجياً. 

أمثلة عن هذه المؤشرات في الحياة المهنية

• ادخر نسبة ثابتة من راتبك كل شهر، أو استثمرها بصناديق الاستثمار التقاعدية.
• شارك في ورشات وندوات الثقافة المالية المُقامة ضمن شركتك أو عبر الإنترنت.

أمثلة في الحياة الشخصية

• راجع واضبط ميزانيتك الشهرية بانتظام لتعيش ضمن إمكاناتك وتتمكن من الادخار لتحقيق أهدافك المستقبلية.
• استشر مخطط مالي أو مستشار كل ربع سنة أو مرة في السنة للتأكد من أنك على المسار الصحيح لتحقيق أهدافك المالية.

4. أن تبني علاقات صادقة وهادفة وتحافظ عليها 

تضيف العلاقات الشخصية والمهنية عمقاً وغنىً إلى حياتنا، ولكنَّنا غالباً نتفاعل مع الآخرين سطحياً في عالمنا الحاضر الذي يتّسم بالسرعة والانشغال.

توفر العلاقات الصادقة الأمان، والراحة، والتفهُّم خلال الأوقات الصعبة، مما يخفف من مشاعر العزلة أو اليأس، وهذا ضروري للغاية حيث يعبّر 58% من الأمريكيين عن شعورهم بالوحدة.

يرتفع مستوى قيمة الذات والثقة بالنفس في العلاقات الصادقة التي يسودها التقدير والتفاهم والإيجابية. 

أمثلة عن هذه المؤشرات في الحياة المهنية

• اسأل 3 زملاء يومياً عن أحوالهم، وأجب بصدق عندما يقولون: "بخير، وأنت؟".
• شارك مجريات حياتك الخاصة مع زملاء العمل لتقوية علاقتك معهم.
• أجرِ محادثة هادفة مع أحد زملائك عن موضوع بعيد عن العمل.

أمثلة في الحياة الشخصية

• اقضِ وقتاً ممتعاً مع أفراد أسرتك يومياً أو أسبوعياً، هذا يشمل بالطبع الوالدين، شريك الحياة، الأشقاء، الأطفال، الأجداد، الأحفاد.
• اخرج لتناول الغداء أو العشاء مع الأصدقاء مرة في الأسبوع.
• تعرف إلى جار لم تتحدث معه من قبل.

5. أن تخصص الوقت لإتقان المهارات والتعلم المستمر

إنّ التعلم المستمر وتحديث المهارات ضروري للحفاظ على انفتاح الذهن ومرونته، وهذا لا يقتصر على التسجيل في الدورات التدريبية وتحصيل الشهادات؛ بل يتطلب المداومة على البحث والاستكشاف. 

يُنصَح بتخصيص بعض الوقت يومياً أو أسبوعياً للتعلم المستمر، وذلك من خلال مطالعة الكتب الجديدة، أو المشاركة في الندوات الافتراضية أو ورشات العمل المحلية، وغيرها من الأنشطة التي تعزز شغفك. 

‎أمثلة عن هذه المؤشرات في الحياة المهنية

• سجِّل في دورة تدريبية لتعلم مهارة جديدة مرة واحدة في الشهر.
• تواصل مع زميل من قسم مختلف مرة في الأسبوع واسأله عن عمله.

أمثلة في الحياة الشخصية

• اقرأ مقطعاً من كتاب ملهم كل صباح لتحدد مسار يومك بأكمله.
• شاهد وثائقياً عن موضوع غريب مرة في الأسبوع.

6. أن تترك بصمة خاصة بك في هذا العالم

لا أحد يعيش بمفرده بمعزل عن الآخرين؛ حيث تؤثر أفعالك وقراراتك في المجتمع من حولك والعالم عامةً.

فكر في الإرث الذي ترغب في تركه وراءك، وكيف لمهاراتك، ومعرفتك، وشغفك أن تخدم الآخرين بصورة هادفة. فكر كيف لوجودك ومساهماتك أن تجعل هذا العالم مكاناً أفضل.

يمكنك بدايةً أن تكتب "بيان الأثر" الذي يحدد مفهومك عن التغيير الإيجابي، ثم حدد مؤشرات أداء؛ رئيسة خاصة بالبصمة التي تريد أن تحدثها في هذا العالم، لكي تركز على الإرث الذي تنوي بناءه خلال حياتك.

أمثلة عن هذه المؤشرات في الحياة المهنية

• شارك أفكارك وخبراتك مع زملائك.
• كن منتور لزميل أصغر سناً منك.
• أنشئ دليل تعليمي للأجزاء الصعبة من عملك.

‎أمثلة في الحياة الشخصية

• اعمل أسبوعياً على ترتيب صورك وتصنيفها من أجل أطفالك في المستقبل.
• ألِّف كتاب عن مفهوم الحياة بحسب تجربتك.
• شارك في فرصة تطوعية أسبوعية في مجتمعك.

تخصيص مؤشرات الأداء الرئيسة الخاصة بك

تُعد هذه المجالات الستة أمثلةً مختارةً من ميادين الحياة المتعددة، ويمكنك تخصيصها بالشكل الذي تراه مناسباً، أو حتى اختيار مجالاتك الخاصة لتقييم النجاح الشخصي. 

يمكن الحفاظ على التركيز عن طريق متابعة مقاييس النجاح في بعض المناحي الحياتية الأخرى، مثل:

• اللياقة البدنية.
• العافية العاطفية.
• عيش حياة أكثر إبداعاً.

من الضروري مراجعة مؤشرات الأداء الرئيسة الخاصة بك بانتظام، وتعديلها لتناسب ظروفك المتغيرة، بحيث تعكس قيمك وطموحاتك الحالية.

كيفية تتبع مؤشرات الأداء الشخصية الرئيسة الخاصة بك

الآن، وقد اخترت مؤشرات الأداء الرئيسة الخاصة بك، عليك أن تعرف كيف تتبعها وتقيّم نجاحك.

يمكننا استلهام بعض الأفكار الرائعة من "فرانكلين"؛ حيث أوضح في سيرته الذاتية كيف أنشأ جدولاً لكل أسبوع، مع عمود مخصص لكل فضيلة. 

تتبعَ "فرانكلين" تقدمه بصرياً من خلال وضع نقطة في عمود الفضيلة التي يفشل في الالتزام بها في يوم معين. كان يهدف إلى إبقاء عمود كل فضيلة خالياً من النقاط قدر الإمكان والتركيز على المجالات التي لم يرقَ فيها إلى معاييره الخاصة.

أنشئ جدول مشابه لتسجيل مؤشرات الأداء الرئيسة الخاصة بك على ورقة أو في جدول بيانات. يمكنك تتبعها يومياً ثم التفكير أسبوعياً أو شهرياً في كيفية أدائك.

أو يمكنك أيضاً استخدام تقويمك الإلكتروني لتتبع فئات مقاييس النجاح الخاصة بك. يمكنك بهذه الطريقة ضبط إشعارات تذكير يومية وأسبوعية، مما يجعل سعيك نحو النجاح أكثر تنظيماً.

استخدام نظام تقييم النجاح الشخصي لحياة هادفة

يوضح هذا المقال القوة التحفيزية والتحويلية لتعريف وتقييم نجاحك على المستوى الشخصي، بمنأى عن نجاح الشركة التي قد تعمل بها وعن رأي أي شخص آخر.

ستساعدك الأمثلة في هذه المقالة على صياغة مؤشرات الأداء الرئيسة الشخصية الخاصة بك. استخدم تقويم ذكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتتبع نجاحك؛ حيث يساعدك هذا في البقاء على المسار الصحيح حتى لا تضيع جهود تقييم نجاحك سدىً.

في الختام

يتضح أنَّ تقييم النجاح الشخصي يستند إلى مقاييس فردية تتجاوز الحدود التقليدية للتقييم المادي والمكانة الاجتماعية. تحديد مؤشرات الأداء الرئيسة الشخصية يمكن أن يوفر لك دليلاً واضحاً لتحقيق الرضا الشخصي والمهني.

يمكنك تحقيق أهدافك بفعالية وكفاءة من خلال العيش وفقاً لقيمك الأساسية، والحفاظ على الإنتاجية، وتحقيق الأمان المالي، وبناء علاقات ذات مغزى، والاستمرار في التعلم، وترك بصمة خاصة بك في هذا العالم. من خلال متابعة مؤشرات الأداء الرئيسة بانتظام وتعديلها بحسب تطورات حياتك، ستتمكن من البقاء على المسار الصحيح نحو حياة هادفة ومليئة بالنجاح.